ويضيف الرازي قوله : «واعلم أن ترتيب هذه الصفات في نهاية الحسن ، لأن الصفة الاولى دلت على الخوف الشديد الموجب للاحتراز عما لا ينبغي ، والصفة الثانية دلت على ترك الرياء في الطاعات ، والصفة الثالثة دلت على أن المستجمع لتلك الصفات الثلاث يأتي بالطاعات مع الوجل والخوف من التقصير ، وذلك هو نهاية مقامات الصديقين رزقنا الله سبحانه الوصول اليها ... ثم انه سبحانه بيّن علة ذلك الوجل ، وهي علمهم بأنهم الى ربهم راجعون ، أي للمجازاة والمساءلة ونشر الصحف وتتبع الاعمال ، وأن هناك لا تنفع الندامة ، فليس الا الحكم القاطع من جهة مالك الملك».
والوجل على هذا ليس خوفا من معاص قد ارتكبها الانسان ، ولكنه خشية من عدم القبول لطاعات قد أداها وقام بها ، فأصحاب الوجل يخلصون الطاعات بلا تقصير أو كسل ، ومع ذلك يوجلون وكأنهم قد ألموا بذنب ، فهم يخافون ألا تقبل اعمالهم الطيبة ، كما قيل :
يتجنب الآثام ثم يخافها |
|
فكأنما حسناته آثام |
ولذلك روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلىاللهعليهوآله : يا رسول الله ، الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة : هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله عزوجل؟.
فقال : لا يا بنت الصدّيق ، ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق وهو الذي يخاف الله عزوجل.
والوجل عند ذكر الله أقسام تعرض لها بالحديث صاحب «لطائف الاشارات» ، فذكر أن الوجل عند الذكر اما لخوف عقوبة ستحصل ، أو لمخافة عاقبة بالسوء تختم ، أو لخروج من الدنيا على غفلة من غير استعداد للموت ، أو اصلاح أهبة ، أو حياء من الله سبحانه في أمور اذا ذكر اطلاعه