والمحن والمصائب ، فأما ما يصيبهم من جهة الظلمة ، فالصبر عليه غير واجب ، بل ان أمكنه دفع ذلك لزمه الدفع ، ولو بالمقاتلة.
والاثر الثاني هو الاشتغال بالخدمة ، وأعز الاشياء عند الانسان نفسه وماله ، أما الخدمة بالنفس فهي الصلاة ، وهو المراد بقوله : «وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ» ، وأما الخدمة بالمال فهو المراد من قوله : «وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ».
وجاء ذكر «الوجل» في سورة المؤمنون ، حيث يقول الحق تبارك وتعالى :
«إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ، وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ، وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ ، وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ ، أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ»(١).
أي يعطون العطاء وهم خائفون وجلون لا يتقبل منهم ، لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشروط الاعطاء ، وهذا من باب الاشفاق والاحتياط. فهم يعطون ما أعطوا على خشية ووجل ، والعطاء هنا عام شامل ، يدخل فيه ـ كما يعبر الرازي ـ كل حق يلزم ايتاؤه ، سواء كان ذلك من حق الله تعالى كالزكاة والكفارة وغيرهما ، أو من حقوق الآدميين كالودائع والديون وأصناف الانصاف والعدل. وذلك انما ينفع اذا قدموه وقلوبهم وجلة ، لأن من يقدم على العبادة وهو وجل من تقصيره واخلاله بنقصان أو غيره ، يكون لاجل ذلك الوجل مجتهدا في أن يوفيها حقها في الاداء.
__________________
(١) سورة المؤمنون ، الآية ٥٧ ـ ٦١.