وقال في آية اخرى : «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ ،» فكيف الجمع بينهما؟ وأيضا قال في آية أخرى : «ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ؟»
قلنا : الاطمئنان انما يكون عن ثلج اليقين ، وشرح الصدر بمعرفة التوحيد ، والوجل انما يكون من خوف العقوبة ، ولا منافاة بين هاتين الحالتين ، بل نقول : هذان الوصفان اجتمعا في آية واحدة ، وهو قوله تعالى : «تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ». والمعنى : تقشعر الجلود من خوف عذاب الله ، ثم تلين جلودهم وقلوبهم عند رجاء ثواب الله».
وعن ابن عباس في معنى : «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ» أن المنافقين لا يدخل قلوبهم شيء من ذكر الله عند اداء فرائضه ، ولا يؤمنون بشيء من آيات الله ، ولا يتوكلون ولا يصلون اذا غابوا ، ولا يؤدون زكاة أموالهم ، فأخبر الله تعالى أنهم ليسوا بمؤمنين ، ثم وصف الله المؤمنين بقوله : «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ».
ويرى القشيري أن الوجل هنا هو شدة الخوف ، فالمؤمنون يوجلون عن مواطن الغيبة ومساكن الغفلة ، ويفيئون الى مشاهد ذكر الله لينالوا السكون منه ، وهم يزيدون عند سماعهم آيات ربهم تصديقا على تصديق ، وتحقيقا على تحقيق ، فاذا طالعوا جلال قدره ، وأيقنوا قصورهم عن ادراكه ، توكلوا عليه سبحانه. واذا كاشفهم ربهم بجلاله وجلت منهم القلوب ، واذا لاطفهم بجماله سكنت هذه القلوب ، وهم يخافون البعد عنه ، ويفرحون للقرب منه.
ولقد قيل للحسن : يا أبا سعيد ، أمؤمن أنت؟.
فقال : الايمان ايمانان ، فان كنت تسألني عن الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ، والجنة والنار ، والبعث والحساب ، فأنا به مؤمن. وان