أحدهما يذهب إلى أن المراد به منزلة واحدة على التحقيق وتدعي أن السبب في ذلك ما روي في غزاة تبوك وهي نفر يسير.
والفرقة الأخرى تذهب إلى عموم القول لجميع المنازل إلا ما خصصه الدليل وهو قول الشيعة وأكثر الخصوم.
وإنما أنكر هؤلاء المخالفون المعترفون بأن الخبر يقتضي العموم أن يكون موجبا لخلافة أمير المؤمنين بعد الرسول عليهم السلام من حيث لم يثبت عندهم أن هارون لو بقي بعد موسى عليهم السلام كان خليفة له ولم يهتدوا في الخبر إلى دليل على أنه أراد الاستخلاف من بعده وإن كان منهم من قد علم ذلك ولكن جذبه الهوى فأصر على الإنكار وعاند.
وإذا لم يكن في الخبر غير هذين القولين فلا شك في أنه متى فسد قول من ادعى فيه الخصوص علم صحة قول من ذهب إلى العموم.
والذي يدل على فساد قول من قصره على منزلة واحدة وجود الاستثناء الظاهر فيه الذي لا يصح إيراده إلا والمستثنى منه أكثر من واحد لأن الاستثناء هو إخراج بعض من جملة لو لم يستثن لدخل فيها والخصلة الواحدة لا يصح هذا فيها.
ألا ترى أنه لا يحسن أن يقال رأيت زيدا إلا عمرا ويحسن أن يقال رأيت القوم إلا عمرا فعلم بهذا فساد مقال من قصر الخبر على منزلة واحدة.
فأما ما تعلقوا به من أن السبب في ذلك ما جرى في غزاة تبوك فغير صحيح لأنا عالمون بصحة الخبر ولسنا نعلم صحة ما ذكروه كعلمنا بالخبر فلا طريق لنا إلى تخصيص المعلوم بما ليس بمعلوم.
على أن الروايات قد اتصلت واشتهرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه قال لأمير المؤمنين عليهم السلام أنت مني بمنزلة هارون من موسى في مواقف عدة وأماكن كثيرة وأوقات متفرقة فيجوز أن يكون غزاة تبوك أحدها ولكنه لا سبيل لنا إلى قصره عليها وإن كنا متى خصصناه بها لم يكن منا ما ظنه المخالف من أن الخبر دال على فضيلة المحبة فقط لا يستحيل أن تكون هي السبب فيقول