وأما الذي يدل على بطلان مقال الذين يدعون أن الله تعالى جسم لا كالأجسام فهو أن حقيقة الجسم قد ذكرناها فمتى قال القائل إنه جسم أوجب الحقيقة بعينها فإن قال لا كالأجسام نفى ما أوجب فكان ناقض.
فإن قالوا هذا لازم لكم في قولكم إنه شيء لا كالأشياء؟
قيل لهم ليس الأمر كما ذكرتم لأن قولنا شيء يستفاد منه الإثبات والمثبتات مختلفات من أجسام وجواهر وأعراض فإذا قلنا شيء لا كالأشياء أثبتنا معلوما مخبرا عنه ونفينا المماثلة بينه وبين سائر المثبتات ولم ننف حقيقة الشيء التي هي الإثبات وقول الله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) يدل على ما ذكرنا.
وقولنا جسم لا كالأجسام أثبتنا جسما ثم نفيناه وهذا هو التناقض الذي ذكرناه.
واعلم أن التسمية إنما يحسن إجراؤها على المسمى متى ثبت له معناها فإن لم يثبت ذلك لم يصح إجراؤها إلا على جهة التغليب وبطل أن يصح فيه معنى الجسم على التحقيق وفسد قول من زعم أنه جسم ولم يصح أن يسميه بهذا الاسم.
وليس لأحد أن يسمي الله عزوجل بما لم يسم به نفسه ولم يثبت ذلك على جواز تسميته به (١).
فأما من زعم أنه جسم لأنه قائم بنفسه وأن هذا حد الجسم عنده وحقيقته فغير مصيب في قوله واللغة تشهد بخطئه وذلك أنا وجدنا أهل اللسان يقولون هذا أجسم من هذا إذا زاد عليه في طوله وعرضه وعمقه فلو لا أن حقيقة الجسم عندهم هي أن يكون طويلا عريضا عميقا لم يكن الأمر كما ذكرناه.
فإن قال القائل أليس قد اشتهر عن أحد متكلميكم وهو هشام بن
__________________
(١) إذ يظهر الاتّفاق على أن أسماء اللّه تعالى توقيفية ، فلا يصحّ إطلاق اسم عليه إذا لم يرد فيه نص.