والنهار يبدأ من اللحظة التي يطلع فيها الفجر ، فيشقّ قلب ظلام الليل ، ثم يمتدّ ليملاء كل السماء ، ويغمر كل شيء بالنور.
ثم القَسم الأخير في السورة بالخالق المتعال : (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى).
فوجود الجنسين في عالم الإنسان والحيوان والنبات ... والمراحل التي تمرّ بها النطفة منذ انعقادها حتى الولادة ... والخصائص التي يمتاز بها كل جنس متناسبة مع دوره ونشاطه ... والأسرار العميقة المخبوءة في مفهوم الجنسية ... كلّها من دلالات وآيات عالم الخليقة الكبير ... وبها يمكن الوقوف على عظمة الخالق.
ثم يأتي الهدف النهائي من كل هذه الأقسام بقوله سبحانه : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى).
اتجاهات سعيكم مختلفة ، ونتائجها مختلفة أيضاً ، هذا يعني أنّ أفراد البشر لا يستقرون في حياتهم على حال ... بل هم في سعي مستمر ... وفي استثمار دائم للطاقة التي أودعها الله في نفوسهم ... فانظر أيّها الإنسان في أي مسير تبذل هذه الطاقة التي هي رأس مال وجودك ... في أيّ اتجاه ... وفي سبيل أيّة غاية؟!
حذار من تبديد كل هذه الطاقات في سبيل نتيجة تافهة ... وحذار من بيعها بثمن بخس!
«شتى : جمع شتيت من مادة شتّ أيّ فرّق الجمع ، وهنا بمعنى التفرق والتشعب في المساعي من حيث الكيفية والهدف والنتيجة.
ثم يأتي تقسيم الناس على قسمين ، ويبيّن خصائص كل قِسم. يقول سبحانه : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى).
وأساساً أنّ الإيمان بالمعاد وبثواب الآخرة يهون المشاكل والصعاب ، ويجعل بذل المال بل النفس ميسوراً ، ويخلق الدافع نحو طلب الشهادة في ميادين الجهاد عن رغبة مقرونة باحساس باللذة والنشوة.
وفي الجهة المقابلة تقف المجموعة الاخرى التي تتحدث عنها الآيات التالية : (وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى).
«من بخل في هذه المجموعة مقابل من أعطى في تلك.
«استغنى : أي طلب الغنى ، قد تكون إشارة إلى ذريعتهم لبخلهم ، ووسيلتهم لإكتناز المال.
وهؤلاء البخلاء الخاوون من الإيمان يشقّ عليهم فعل الخير وخاصة الإنفاق ، بينما هو للمجموعة الاولى مقرون باللذة والإنشراح.