ثم يأتي التحذير لهؤلاء البخلاء المغفلين بالآية : (وَمَا يُغْنِى عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى).
لا يستطيع أن يصطحب ماله من هذه الدنيا ، ولا يستطيع هذا المال ـ إذا اصطحبه ـ أن يقيه من السقوط في نار جهنم.
(إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (١٢) وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (١٣) فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى (١٤) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (١٨) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (١٩) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضَى) (٢١)
عقب الآيات الكريمة السابقة التي قسمت الناس على مجموعتين : مؤمنة سخية ، وعديمة الإيمان بخيلة ، وبيّنت مصير كل منهما ، تبدأ هذه الطائفة من الآيات بالتأكيد أنّ على الله الهداية لا الإجبار والإلزام ، ويبقى الإنسان هو المسؤول عن اتخاذ القرار اللازم ، وأنّ انتخاب الطريق المستقيم يعود بالنفع على الإنسان نفسه ولا حاجة لله سبحانه بعمل خير يقدمه الفرد. يقول تعالى : (إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى). الهدى عن طريق التكوين (الفطرة والعقل) أو عن طريق التشريع (الكتاب والسنة) ... فقد بيّنا ما يلزم وأدينا الأمر حقّه.
وبعد : (وَإِنَّ لَنَا لَلْأَخِرَةَ وَالْأُولَى). فلا حاجة بنا لإيمانكم وطاعتكم ، ولا طاعتكم تجدينا نفعاً ولا معصيتكم تصيبنا ضرّاً ، وكل منهج الهداية لصالحكم أنفسكم.
الإنذار والتحذير من سبل الهداية ، ولذلك قال سبحانه : (فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى).
«تلظى : من اللظى ، وهو الشعلة المتوهجة الخالصة والشعلة الخالصة من الدخان ذات حرارة أكبر ، وتطلق لظى أحياناً على جهنم.
ثم تشير الآية إلى المجموعة التي ترد هذه النار المتلظية الحارقة وتقول : (لَايَصْلهَا إِلَّا الْأَشْقَى).
وفي وصف الأشقى تقول الآية : (الَّذِى كَذَّبَ وَتَوَلَّى).
معيار الشقاء والسعادة ـ إذن ـ هو الكفر والإيمان وما ينبثق عنهما من موقف عملي ، إنّه لشقي حقّاً هذا الذي يعرض عن كل معالم الهداية وعن كل الإمكانات المتاحة للإيمان والتقوى ... بل إنّه أشقى الناس.
ثم تتحدث السورة عن مجموعة قد جُنّبت النار وأبعدت عنها ، تقول الآية : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى).