المؤمنين يغمزون بأعينهم ويشيرون إليهم بالقول :
انظروا إلى هؤلاء الفقراء المعدمين ... إنّهم أصبحوا مقربين عند الله.
انظروا إلى هؤلاء الحفاة العراة ... إنّهم يدّعون نزول الوحي الإلهي لهم.
انظروا إليهم ... فإنّهم يعتقدون بأنّ العظام البالية ستعود إلى الحياة مرّة اخرى! وما شابه ذلك ، من الكلمات الرخيصة والموهنة ...
ويبدو أنّ ممارسة الضحك من قبل المشركين يكون حينما يمرّ المؤمنون من أمامهم وهم متجمعون ، في حين يمارسون الاسلوب الثاني وهو الإشارات الساخرة والغمز واللمز حين مرورهم أمام جمع من المؤمنين ، لعدم تمكنهم من الضحك العلني أمام جمع المؤمنين.
«يتغامزون : من الغمز وهو الإشارة بالجفن أو اليد مع قصد ما في الطرف الآخر من عيوب ، وعبّرت الآية بهذا اللفظ التغامز للإشارة إلى اشتراكهم جميعاً في ذلك الفعل.
ولكنّهم لم يكتفوا بالنيل من المؤمنين في حضورهم من خلال الضحك والتغامز ، بل تعدوا إلى حال غيابهم أيضاً ، حيث تنقل لنا الآية التالية ، الاسلوب الثالث بقولها : (وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ).
وكأنّهم في ضحكهم وتغامزهم قد نالوا فتحاً كبيراً! فتأخذهم نشوة تصور الغفلة والجهل لأن يتباهوا فيما قاموا به من فعل قبيح ، ويبقون على حالة السخرية والإستهزاء بالمؤمنين رغم غياب المؤمنين عنهم ...
«فكهين : جمع (فكه) ، وهي صفة مشبهة من (الفكاهة) بمعنى التمازح والضحك ، مأخوذة من (الفاكهة) ، وكأنّ لذة الخوض في هكذا حديث وسخرية كلذّة أكل الفاكهة ، كما ويطلق على حديث مفرح اسم (فكاهة).
والاسلوب الرابع : (وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هؤُلَاءِ لَضَالُّونَ).
لماذا؟ لأنّهم تركوا ما كان شائعاً من عبادة الأصنام ، والخرافات التي يعتبرونها هداية! واتجهوا نحو الإيمان بالله والتوحيد الخالص.
ولأنّهم باعوا لذّة الدنيا الحاضرة بنعيم الآخرة الغائبة ...
وغالباً ما لا يكون المؤمنون من أثرياء أو وجهاء القوم ، ولذلك يُنظر إليهم باحتقار ويهزأ بدينهم وإيمانهم ، في مجتمع يسوده التمايز الطبقي بشكل راسخ وظاهر. فيقول القرآن الكريم في الآية التالية : (وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ).