إنّه ليس كشراب أهل الدنيا الشيطاني ، بما يحمل من خبث دافع إلى المعاصي والجنون ، بل هو شراب طاهر يذكي العقول ويدب النشاط والصفاء في شاربه.
والرحيق هو الشراب الخالص الذي لا يشوبه أيّ غش أو تلوث ؛ ومختوم : إشارة إلى أنّه أصلي ويحمل كل صفاته المميزة عن غيره من الأشربة ولا يجاريه شراب قطّ ، وهذا بحدّ ذاته تأكيد آخر على خلوص الشراب وطهارته.
وتقول الآية التالية : (خِتَامُهُ مِسْكٌ).
هو شراب طاهر مختوم ، وإذا ما فتح ختمه فتفوح رائحة المسك منه.
(وَفِى ذلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ). التنافس : تمنّي كل واحد من النفسين مثل الشيء النفيس الذي للنفس الاخرى أن يكون له.
وجاء مضمون الآية في الآية (٢١) من سورة الحديد : (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ).
ونصل لآخر وصف شراب الأبرار في الجنة : (وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ). أي : أنّه ممزوج بالتسنيم : (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ).
ومن خلال الآيتين أعلاه ، يتّضح لنا بأنّ التسنيم هو أشرف شراب في الجنة ، وموجود في الطبقات العليا من الجنة .. ويجري في الهواء فينصب في أواني أهل الجنة والمقرّبون يشربون منه بشكل خالص ، فيما يشربه الأبرار ممزوجاً بالرحيق المختوم.
وتؤكّد الأحاديث والروايات على أنّ تلك الأشربة خالصة لمن تنزّه عن الولوغ في خمور الدنيا الخبيثة.
ففي وصية النبي صلىاللهعليهوآله لأمير المؤمنين عليهالسلام : ومن ترك الخمر لله سقاه الله من الرحيق المختوم (١).
وروي عن علي بن الحسين عليهالسلام قال : من أطعم مؤمناً من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة ، ومن سقى مؤمناً من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم (٢).
وجاء في حديث آخر : من صام لله في يوم صائف ، سقاه الله على الظمأ من الرحيق
__________________
(١) تفسير مجمع البيان ١٠ / ٢٩٧.
(٢) الكافي ٢ / ٢٠١.