للحرب غير المسلّحة ؛ وكبتوا : من مادة كبت بمعنى المنع بذلة ، و (كبتوا) إشارة إلى أنّ الله تعالى يجعل جزاء المحاربين لله ورسوله الذلّة والهوان ويمنعهم من لطفه الشامل.
ثم يضيف الباري سبحانه : (وَقَدْ أَنزَلْنَاءَايَاتٍ بَيّنَاتٍ).
وبناءً على هذا فقد تمّت الحجة بشكل كامل ، ولم يبق عذر ، وحجة للمخالفة ، ومع ذلك فإن خالفوا ، فلابدّ من أن يجازوا ، ليس في هذه الدنيا فحسب ، بل في القيامة : (وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ).
فإنّ هذا التهديد الإلهي للأشخاص الذين يقفون بوجه الرسول صلىاللهعليهوآله والقرآن الكريم قد تحقّق ، حيث واجهوا الذلة والإنكسار في غزوة بدر وخيبر والخندق وغير ذلك ، وأخيراً في فتح مكة حيث كسرت شوكتهم واحبط كيدهم بانتصار الإسلام في كل مكان.
والآية اللاحقة تتحدث عن إستعراض زمان وقوع العذاب الاخروي عليهم حيث يقول عزوجل : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعًا فَيُنَبّئُهُم بِمَا عَمِلُوا). نعم : (أَحْصهُ اللهُ وَنَسُوهُ).
وهذا بحد ذاته عذاب مؤلم ، لأنّ الله تعالى يذكّرهم بذنوبهم المنسيّة ويفضحهم في مشهد الحشر أمام الخلائق.
وفي نهاية الآية يقول الباريء سبحانه : (وَاللهُ عَلَى كُلّ شَىْءٍ شَهِيدٌ).
إنّ حضور الله سبحانه في كل مكان وفي كل زمان وفي الداخل والخارج ، يوجب ألّا يحصي أعمالنا ـ فقط ـ بل نيّاتنا وعقائدنا ، وفي ذلك اليوم الكبير الذي هو يوم البروز يُعرف كل شيء ولكي يعلم الإنسان السبب في شدة العقاب الإلهي.
ولتأكيد حضور الله سبحانه في كل مكان وعلمه بكل شيء ينتقل الحديث إلى مسألة النجوى حيث يقول سبحانه : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِى السَّموَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ).
ثم يضيف تعالى : (مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيمَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلّ شَىْءٍ عَلِيمٌ).
المقصود من أنّ الله رابعهم أو سادسهم هو أنّ الله عزوجل موجود حاضر وناظر في كل مكان وعالم بكلّ شيء ، وإلّا فإنّ ذاته المقدسة لا مكان لها ، ولا يوصف بالعدد أبداً ، ووحدانيّته أيضاً ليست وحدة عدديّة ، بل بمعنى أنّه لا شبيه له ، ولا نظير ولا مثيل.