أي يجب ألّا تتصوروا أنّ مثل هذه الكفارة في مقابل الظهار ، كفارة ثقيلة وغير متناسبة مع الفعل ، إنّ المقصود بذلك هو الموعظة والإيقاظ لنفوسكم ، والكفارة عامل مهم في وضع حدّ لمثل هذه الأعمال القبيحة والمحرمة ، ومن ثم السيطرة على أنفسكم وأقوالكم.
وأساساً فإنّ جميع الكفارات لها جنبة روحية وتربوية ، والكفارات المالية يكون تأثيرها غالباً أكثر من التعزيرات البدنية.
ولأنّ البعض يحاول أن يتهرّب من إعطاء الكفارة بأعذار واهية في موضوع الظهار ، يضيف عزوجل أنّه يعلم بذلك حيث يقول في نهاية الآية : (وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
إنّه عالم بالظهار ، وكذلك عالم بالذين يتهرّبون من الكفارة ، وكذلك بنيّاتكم!
ولكن كفارة تحرير (رقبة) قد لا تتيسّر لجميع من يرتكب هذا الذنب كما لاحظنا ذلك في موضوع سبب نزول هذه الآية المباركة.
وقد يتعذّر وجود المملوك ، ليقوم المكلّف بتحرير رقبته حتى مع قدرته المالية ، كما في عصرنا الحاضر ، لهذا كله ولأنّ الإسلام دين عالمي خالد فقد عالج هذه المسألة بحكم آخر يعوّض عن تحرير الرقبة ، حيث يقول عزوجل : (فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا).
وهذا اللون من الكفارة له أثر عميق على الإنسان ، حيث إنّ الصوم بالإضافة إلى أنّه وسيلة لتنقية الروح وتهذيب النفس ، فإنّ له تأثيراً عميقاً وفاعلاً في منع تكرّر مثل هذه الأعمال في المستقبل.
ومن الواضح ـ كما في ظاهر الآية ـ أنّ مدّة الصوم يجب أن تكون ستّين يوماً متتابعاً ، وكثير من فقهاء أهل السنّة أفتوا طبقاً لظاهر الآية ، إلّاأنّه قد ورد في روايات أئمة أهل البيت عليهمالسلام أنّ المكلّف إذا صام أيام قلائل حتى ولو يوماً واحداً بعد صوم الشهر الأوّل ، فإنّ مصداق التتابع في الشهرين يتحقق ، وهذا الرأي حاكم على ظاهر الآية.
ولأنّ الكثير من الناس غير قادرين على الوفاء بالكفارة الثانية ، وهي صوم الشهرين المتتابعين ، فقد ذكر لذلك بديل آخر حيث يقول سبحانه : (فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتّينَ مِسْكِينًا).
والظاهر من الإطعام أن يعطي غذاء يشبع الشخص في وجبة طعام ، إلّاأنّ الروايات الإسلامية ذكرت أنّ المقصود بذلك هو (مدّ) لإطعام كل واحد (والمد يعادل ٧٥٠ غم).