التّفسير
الظهار عمل جاهلي قبيح : بالنظر إلى ما قيل في سبب النزول ، وكذلك طبيعة الموضوعات التي وردت في السورة ، فإنّ الآيات الاولى منها واضحة في دلالتها حيث يقول سبحانه : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا).
«تجادل : من المجادلة مأخوذة من مادة جدل وتعني في الأصل (فتل الحبل).
ثم يضيف تعالى : (وَتَشْتَكِى إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا).
«تحاور : من مادة حور بمعنى المراجعة في الحديث أو الفكر.
(إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ). إنّ الله عالم بكل المسموعات والمرئيات ، بدون أن يحتاج إلى حواس نظر أو سمع ، لأنّه حاضر وناظر في كل مكان ، يرى كل شيء ويسمع كل حديث.
ثم يستعرض تعالى حكم الظهار بجمل مختصرة وحاسمة تقضي بقوة على هذا المفهوم الخرافي حيث يقول سبحانه : (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِن نّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا الِى وَلَدْنَهُمْ).
«الام والولد ليس بالشيء الذي تصنعه الألفاظ ، بل إنّهما حقيقة واقعية عينية خارجية لا يمكن أن تكون من خلال اللعب بالألفاظ.
ويضيف تعالى مكمّلاً الآية : (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا) (١).
وتماشياً مع مفهوم هذه الآية فإنّ الظهار عمل محرّم ومنكر ، ومع أنّ التكاليف الإلهية لا تشمل الممارسات السابقة ، إلّاأنّها ملزمة لحظة نزول الحكم ، ولابدّ عندئذ من ترتيب الأثر ، حيث يضيف الله سبحانه هذه الآية : (وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌ غَفُورٌ).
وبناءً على هذا فإذا كان المسلم قد إرتكب مثل هذا العمل قبل نزول الآية فلا بأس عليه لأنّ الله سيعفو عنه ، وأمّا مسألة الكفارة باقية بقوّتها.
إلّا أنّ مثل هذا العمل القبيح (الظهار) لم يكن شيئاً يستطيع الإسلام أن يغضّ النظر عنه ، لذلك فقد جعل له كفارة ثقيلة نسبيّاً كي يمنع من تكراره ، وذلك بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا).
ثم يضيف تعالى : (ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ).
__________________
(١) زور : في الأصل بمعنى الإنحناء الموجود على الصدر وجاءت أيضاً بمعنى الانحراف ، ولأنّ حدود الكذب والباطل منحرفة عن الحق ، فيقال له (زور) كما يطلق على الصنم أيضاً بهذا اللحاظ.