قسمان : محض الحرام ، وفضول الحلال ، لأنّ استعمال فضول الحلال قد يخرج صاحبه إلى الحرام ومحض العصيان ، وذلك لشرّة (١) النّفس وطغيانها ، فمن أراد أن يأمن الضّرر فى دينه اجتنب المحظور وامتنع عن فضول الحلال حذرا أن يجرّه إلى محض الحرام. وحصل من ذلك أنّ التّقوى على قسمين : فرض ونفل ، فالفرض ما تقدّم من أنّها تنزيه القلب عن شرّ لم يسبق عنك مثله لقوّة العزم على تركه حتّى يصير ذلك وقاية بينك وبين كلّ شرّ. والنّفل : ما نهى عنه نهى تأديب ، وهو فضول الحلال (٢) ، فالمباحات المأخوذات بالشّبهات ؛ فالأولى يلزم بتركها عذاب النار ، والثّانية خير وأدب يلزم بتركها الحبس والحساب ، والتّعيير واللّوم. فمن أتى بالأولى فهو فى الدّرجة الأدنى من التّقوى ، ومن أتى بالأخرى فهو فى الدّرجة العليا.
واعلم أنّ التّقوى كنز عزيز ، إن ظفرت به فكم (٣) تجد فيه من جوهر شريف وعلق نفيس ، وخير كثير ، ورزق كريم ، وغنم جسيم وملك عظيم. فهى الخصلة الّتى تجمع خير الدّنيا والآخرة. وتأمّل ما فى القرآن من ذكرها كم علّق بها من خير ، وكم وعد عليها من ثواب ، وكم أضاف إليها من سعادة ، قال الله تعالى : (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً)(٤) وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا
__________________
(١) شرة النفس : شدة حرصها وتطلعها إلى رغباتها وهواها.
(٢) فضول : جمع فضل والمراد بفضول الحلال : ما يترخص فيه من المباحات فهى مدرجة إلى الدخول فى حيز المحظور.
(٣) فى ب : (لم) تصحيف ، وفى ا : كم.
(٤) الآية ١٢٠ سورة آل عمران.