نحن لا ننكر بأنّ الفتاوى كافية للمكلّفين ، لكنّها لا تُرضي الباحثين والمحقّقين . نعم ، صدر أخيراً كتابان يمكن أن تصنفا ضمن الكتابات المقبولة إلى حدٍّ ما ، لكنّ ذلك لا يدعو إلى وقف حركة البحث العلمي عند العلماء ، لان التوسّع في هكذا دراسات يَفتح آفاق البحث العلمي عندهم ، ويدعو الأساتذة والطلاب إلى الحركة والنشاط لكشف المجهول ، وإثراء المكتبة الإسلامية بما يُحتاج إليه من بحوث فكرية عقائدية فقهية قيّمة ، لأ نّ هذا البحث مرتبط بموضوع حسّاس ومهم ، وشعار لمذهب يعتنقه مئات الملايين من المسلمين ، وفي الوقت نفسه هو سؤال لملايين المسلمين في جميع البلدان ، فإنّ موضوعاً كهذا لَحَرِيٌّ أن يدرس من قبل العلماء وبكتابات حديثة معاصرة يفهمها الجميع .
كل هذا هو الذي دعاني لأن أدلو بدلوي معطياً رأيي في هذا المجال ، غير مدّع بأني قد أوفيت البحث حقّه ، بل هو مبلغ وسعي وغاية جهدي ، ومن الله أرجو التوفيق .
موكِّداً للقارئ العزيز بأنّ ما سأطرحه هنا هو عرض لوجهة نظر ـ جل أو كلّ ـ الإمامية وبيان لما قاله فقهائهم وأعلامهم .
ولا أريد أن أُثبت شرعيّة الشهادة الثالثة لمن يختلف معنا في المذاهب ، لا لصعوبة الأمر ، بل لعدم الضرورة لبحث كهذا الآن ، إذ أنّ إثبات الشهادة الثالثة وما يماثلها سهل وفق أُصولهم الفقهية والأُصولية والروائية ؛ وذلك لأنّ غالبيّتهم يقولون بعدم توقيفيّة الأذان ، وأنّه شُرّع وفق منام رآه أحد الصحابة ، وفي آخر : أنّه شُرّع طبق استشارة من النبيّ مع أصحابه ، وقيل : بأنّ الأذان شرّع أَوّلاً بقول المؤذّن : « الصلاة الصلاة » ، ثم أُضيفت إليه الشهادة بالتوحيد ، وأنّ عمر بن الخطاب أضاف إليه الشهادة بالنبوّة .