تلخص مما سبق أنّ فقهاء الإمامية وعبر جميع القرون كانوا يجيزون الإتيان بالشهادة الثالثة : إمّا لمحبوبيتها الذاتية ، أو بقصد القربة المطلقة ، أو لامتثال العمومات والأخبار الواردة في اقتران الشهادات الثلاث ، أو لكونها صارت شعاراً ورمزاً للشيعة ، إلى غيرها من التخاريج الفقهية التي صرّحوا بها في مصنفاتهم .
وفي الوقت نفسه أنكر الجميع الإتيان بها بقصد الجزئية ، وحتّى المتشدّدين من الإمامية في أمر الولاية كالشيخ أحمد الاحسائي ( ت ١٢٤١ هـ ) والشيخ محمّد كريم خان الكرماني ( ت ١٢٨٨ هـ ) ، والشيخ زين العابدين الكرماني ( ت ١٣٦٠ هـ ) وغيرهم من الذي سماهم الخالصي بمفوضة هذا العصر ، كانوا لا يجيزون الإتيان بها بقصد الجزئية .
نعم ، بعض المتأخّرين من أتباع محمّد حسن گوهر ( ت ١٢٥٧ هـ ) وهم الأسكوئية اليوم ، وبعض أتباع محمّد كريم خان الكرماني ، قالوا بالجزئية لكنّ ذلك رأي لا يعتدّ به .
وعليه فالقول بالجزئية راي شاذ متروك لا يعمل به اصحابنا وحتى المتشددين كالشيخ أحمد الاحسائي والكرماني .
ولا يخفى عليك أنّ بعض الكتّاب الجدد استظهروا من كلام بعض فقهائنا القدماء والمتأخّرين أنّهم كانوا ينكرون الشهادة الثالثة ، في حين أنّ هذا النقل عنهم ليس بدقيق ، لأنّ هؤلاء الفقهاء قد أشاروا إلى وجه من المسألة تاركين الوجه الآخر منه ، إذ الإتيان بها بقصد القربة المطلقة ـ أو لما فيها من الرجحان الذاتي ـ لا يمكن لأحد إنكاره ، فالشيخ في « النّهاية » ، أو الشهيد في « روض الجنان » أو المقدّس الأردبيلي في « مجمع الفائدة والبرهان » ، أو الشيخ جعفر في « كشف الغطاء » ، أشاروا إلى جانب من المسألة تاركين الوجه الآخر منه .