كأنها ذكر موصوفة بصفة الفاعلية ، والنّفس أنثى موصوفة بصفة القابلية ، لتحصل نتيجة القلب ، بحصول المطالب الدنيوية والأخروية. ه. مختصرا. وقال بعضهم : والشيطان كالذكر ، والنّفس كالأنثى ، يتولد بينهما المعصية. ه.
وأنّ عليه النّشأة الأخرى ، وهو بعث الأرواح من موت الغفلة ، وحشرها إلى موقف المراقبة والمحاسبة ، ثم إدخالها جنة المعارف ، فلا تتشاق إلى جنة الزخارف أبدا ، أو : النشأة الأخرى : الجذب بعد السلوك ، والفناء بعد البقاء ، ثم البقاء بعد الفناء ، البقاء الأول بوجود النّفس ، والثاني بالله. وأنه هو أغنى به بوصول العبد إلى مشاهدته ، وأفنى بأن مكّنه منه فزاد غناه. وطبّل على ماله ، وأنه هو ربّ الشّعرى ، وهو كلّ ما عبد من الهوى والدنيا ، فكيف يعبد المربوب اللئيم ، ويترك الرّب الكريم؟! وأنه أهلك عادا الأولى ؛ النفوس المتفرعنة ، والأهوية المغوية ، أرسل عليهم ريح الهداية القوية ، حتى اضمحلت وخضعت لمولاها ، وثمود الخواطر ، فما أبقى منها إلا خواطر الخير ، التي تأمر بالخير ، وقوم نوح ؛ من القواطع الأربعة ؛ النفس ، والشيطان ، والنّاس ، والدنيا ، فطعنهم عن المتوجه من قبل ، أي : من قبل أن يتوجه إلينا ، لما سبق فى علمنا أنهم كانوا هم أظلم وأطغى من بقية العلائق ، والنّفس المؤتفكة ، أي : المنقلبة عن التوجه ، أهوى بها فى أسفل سافلين ، باعتبار أهل عليين ، فغشّاها من الدنيا ومن الخواطر والهموم والغموم ، ما غشّى.
فإذا سلمت أيها العبد من هؤلاء القواطع والعلائق ، وتوجهت إلى مولاك ، فبأى آلاء ربك تتمارى؟ بل الواجب عليك أن تشكر الله آناء الليل والنّهار. هذا الذي أخذ بيدك نذير من النّذر الأولى ، المتقدمين الداعين إلى الله فى كل زمان ، أزفت الآزفة ، أي : قربت ساعة الفتح حين توجهت وانقطعت عنك العلائق ، ووجدت من يدخلك بحر الحقائق ، ليس لها من دون الله كاشفة ، لا يشكف لك هذه الحقائق إلا الذي منّ عليك بصحبة من يدلك عليه. قال القشيري : أزفت الآزفة : قربت الحقيقة الموصوفة بالقرب والدنو ، وأنت أيها السالك فى عينها ، وما لك بها شعور ، لفنائك فى أوصافك النّفسانية (١). ه. مختصرا. أفمن هذا الحديث العجيب ، والغزل الرّقيق الغريب ، تعجبون ، إنكارا ، وتضحكون استهزاء؟ قلت : وقد رأيت كثيرا ممن ينكر الإشارة ، ويستهزئ بها ، ويتنكب مطالعتها ، وقد قيل : من كره شيئا عاداه. ولا تبكون على أنفسكم ، حيث حرمت من هذه المواهب ، وأنتم سامدون غافلون لاهون ، للدنيا طالبون ، فاسجدوا لله واعبدوا ، وتضرعوا إليه ، حتى يخرجكم من سجن هواكم ونفوسكم.
وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق ، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
__________________
(١) لم أقف على هذا النّص أو على معناه فى لطائف الإشارات.