ثم سفّه أحلامهم بقوله : (أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) ، حيث اختاروا لله ما يكرهون ، وهم حكماء فى زعمهم ، (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً) على التبليغ والإنذار (فَهُمْ) لأجل ذلك (مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) أي : من التزام غرامة فادحة محمّلون الثقل ، فلذلك لا يتبعونك. والمغرم : أن يلزم الإنسان ما ليس عليه. (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ) أي : اللوح المحفوظ ، المكتوب فيه الغيوب ، (فَهُمْ يَكْتُبُونَ) ما فيه ، حتى يتكلموا فى ذلك بنفي أو إثبات.
(أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً) هو كيدهم برسول الله صلىاللهعليهوسلم فى دار النّدوة ، (فَالَّذِينَ كَفَرُوا) وهم المذكورون ، ووضع الموصول موضع ضميرهم ؛ للتسجيل عليهم بالكفر ، أي : ف (هُمُ الْمَكِيدُونَ) الذين يحيق بهم كيدهم ، ويعود عليهم وباله ، لا من أرادوا أن يكيدوه وهو ما أصابهم يوم بدر وغيره. (أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ) يمنعهم من عذابه ، (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي : تنزيها له عن إشراكهم ، أو : عن شركة ما يشركونه به. وحاصل ما ذكر الحق وتعالى من الإضرابات : أحد عشر ، ثمانية طعنوا بها فى جانب النّبوة ، وثلاثة فى جانب الرّبوبية ، وهو قوله : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) ، (أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) ، (أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ) ذكرها الحق تعالى تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أي : كما طعنوا فى جنابك طعنوا فى جانبى ، فاصبر حتى نأخذهم.
الإشارة : فذكّر أيها الخليفة للرسول ، فما أنت بحمد الله بكاهن ولا مجنون ، وإن رموك بشىء من ذلك. قال القشيري : قد علموا أنه صلىاللهعليهوسلم برىء من الكهانة والجنون ، ولكنهم قالوه على جهة الاشتفاء ، كالسفيه إذا بسط لسانه فيمن يشنأه (١) بما يعلم أنه برىء مما يقوله. ه. وكلّ ما قيل فى جانب النّبوة يقال مثله فى جانب الولاية ، سنّة ماضية. قال القشيري : طبع الإنسان متنفرة من حقيقة الدين ، مجبولة على حب الدنيا والحظوظ ، لا يمكن الخروج منها إلا بجهد جهيد ، على قانون الشريعة ، ومتابعة الرّسول صلىاللهعليهوسلم وخلفائه ، وهم العلماء الرّبانيون ، الراسخون فى العلم بالله ، من المشايخ المسلّكين فى كلّ زمان ، والخلق مع دعوى إسلامهم ينكرون على سيرهم فى الأغلب ، ويستبعدون ترك الدنيا والعزلة ، والانقطاع عن الخلق ، والتبتل إلى الله ، وطلب الأمن. كتب الله فى قلوبهم الإيمان ، وأيّدهم بروح منه ، وهو الصدق فى الطلب ، وحسن الإرادة المنتجة من بذر (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. ه مختصرا.
وقوله تعالى : (قُلْ تَرَبَّصُوا ...) الآية ، قال القشيري : ولا ينبغى لأحد أن يتمنى نفاق سوقه بموت أحد ، لتنتهى النوبة إليه ، قلّ ما تكون هذه صفتة إلا سبقته منيته ، ولا يدرك ما تمناه. ه. وقال فى مختصرة : الآية تشير إلى التصبر فى الأمور ، ودعوة الخلق إلى الله ، والتوكّل على الله فيما يجرى على يد عباده ، والتسليم لأحكامه فى
__________________
(١) أي : يبغضه.