الالتفات إليها غيبة فى الله واشتغالا بشهوده. وقيل لبعضهم : متى ينتهى سير الطالبين؟ قال : «الظفر بنفوسهم ، فإن ظفروا بها وصلوا». وأيض : الا تجتمع المجاهدة مع المشاهد ، فإذا تحققت المشاهدة فلا مجاهدة. هم الذين كفروا من النّفوس المتمردة ، والهوى ، وصدوكم عن مسجد الحضرة ، والهدى معكوفا ، وحبسوكم عن التقرب إلى الله بالنفس والمال أن يبلغ محله ، بأن تمنعكم من إعطائه ، أو تشيبه بما يفسده من الرّياء والعجب ، لئلا تبلغ محل الإخلاص.
ثم ذكر حكمة منعهم من دخول مكة عام الحديبية ، فقال :
(... وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (٢٥))
قلت : (أن تطؤوهم) : بدل اشتمال من رجال ونساء ، ومن ضمير «تعلموهم» وبغير متعلق بتطؤهم ، وجواب «لولا» محذوف ، أغنى عنه جواب «لو» أي : لما كف أيديكم عنهم.
يقول الحق جل جلاله : (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ) بمكة ، ضعفوا عن الهجرة (لَمْ تَعْلَمُوهُمْ) ؛ لم تعرفوهم بأعيانهم ؛ لاختلاطهم مع المشركين ، (أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي : غير عالمين بهم (فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ) أي : مشقة ومكروه. وفى تفسير المحلى «المعرة» بالإثم نظر ، مع فرض عدم العلم ، إلا أن يحمل على صورة الإثم ، وهو الخطأ ، وفيه الكفارة. والمعرة : مفعلة من : عراه : إذا دهاه ما يكرهه وشقّ عليه ، وهو هنا الكفارة إذا قتله خطأ ، وسوء مقالة المشركين أنهم فعلوا بأهل دينهم مثل ما فعلوا بنا من غير تمييز ، والإثم إذا قصد قتله. والوطء عبارة عن الإيقاع والإبادة. والحاصل أنه كان بمكة قوم مسلمون مختلطون بالمشركين ، غير متميّزين منهم ، فقيل : ولولا كراهة أن تهلكوا ناسا من المؤمنين بين ظهرانى المشركين وأنتم غير عارفين بهم ، فتصيبكم بإهلاكهم مشقة ومكروه ، ولما كففنا أيديكم عنهم ، ولسلطانكم عليهم.
وكان ذلك الكفّ (لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ) أي : فى توفيقه لزيادة الخير والطاعة لمؤمنيهم ، أو : ليدخلهم فى الإسلام من رغب فيه من مشركيهم (مَنْ يَشاءُ) زيادته أو هدايته ، فاللام متعلقة بمحذوف ، تعليل لما دلت عليه الآية ، وسيقت له ، من كفّ الأيدى عن أهل مكة ، والمنع من قتلهم ، صونا لما بين أظهرهم من المؤمنين. (لَوْ تَزَيَّلُوا) أي : تفرقوا وتميز المسلمون من الكافرين ، (لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) بقتل