وقرأ ابن عباس وابن الزبير : (إِفْكُهُمْ) (١) أي : صرفهم عن التوحيد. وقرئ : بتشديد الفاء ، للتكثير (٢).
الإشارة : التمكن من كثرة الحس لا يزيد إلا ضعفا فى المعنى ، وبعدا من الحق ، ولذلك يقول الصوفية : كل ما زاد فى الحس نقص فى المعنى ، وكلّ ما نقص من الحس زاد فى المعنى ، والمراد بالمعنى : كشف أسرار الذات وأنوار الصفات ، وما مكّن الله ـ تعالى ـ عبده من الحواس الخمس إلا ليستعملها فيما يقربه إليه ، ويوصله إلى معرفته ، فإذا صرفها فى غير ذلك ، عوقب عليها. وبالله التوفيق.
ثم ذكر حال من أغنى عنه سمعه ونفعه ، حيث استعمله فيما وصله إلى ربه ، فقال :
(وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٢))
قلت : «النفر» بالفتح : الجماعة من ثلاثة إلى عشرة ، وقيل : إلى سبعة ، ولا يقال نفر فيما زاد على عشرة ، والرّهط والقوم والعشيرة والمعشر معناهم الجمع ، ولا واحد لهم من لفظه ، وهو للرجال دون النّساء. قاله فى المصباح. و (مِنَ الْجِنِ) : نعت للنفر ، وكذا (يَسْتَمِعُونَ).
يقول الحق جل جلاله : (وَ) اذكر (إِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِ) أي : أملناهم إليك ، وأقبلنا بهم نحوك ، وهم جن نصيبين ، أو جن نينوى ، قال فى القاموس : «نينوى» بكسر أوله ، موضع بالكوفة ، وقرية بالموصل
__________________
(١) انظر مختصر ابن خالويه (ص ١٤٠) والبحر المحيط (٨ / ٦٦).
(٢) «أفكهم» وبذلك قرأ أبو عياض ، كما فى مختصر ابن خالويه / ١٤٠ والمحتسب (٢ / ٢٦٧) وزاد فى البحر المحيط (٨ / ٦٦) : وعكرمة.