(وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ) الذين عملوا ذلك (يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ) أي : بغير تقدير ، وموازنة بالعمل ، بل بأضعاف مضاعفة ، فضلا من الله ـ عزوجل ـ ورحمة. قال القشيري : أي : مؤبدا مخلدا ، لا يخرجون من الجنة ، ولا مما هم عليه من الحال. ه. وجعل العمل عمدة ، والإيمان حالا ؛ للإيذان بأنه لا عبرة بالعمل بدونه ، وأنّ ثوابه أعلى من ذلك.
الإشارة : قال الورتجبي : سبيل الرّشاد : طريق المعرفة ، ومعرفة الله تعالى : موافقته ومتابعة أنبيائه وأوليائه ، ولا تحصل الموافقة إلا بترك مراد النّفس ، ولذلك قال : (يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ). قال محمد بن على الترمذي : لم تزل الدنيا مذمومة فى الأمم السابقة ، عند العقلاء منهم ، وطالبوها مهانين عند الحكماء الماضية ، وما قام داع فى أمة إلا حذّر متابعة الدنيا وجمعها والحب لها ، ألا ترى مؤمن آل فرعون كيف قال : (اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ) ، كأنهم قالوا : وما سبيل الرّشاد؟ قال : (إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ) أي : لن تصل إلى سبيل الرّشاد وفى قلبك محبة الدنيا وطلب لها. ه.
(وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (٤١) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (٤٢) لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (٤٣) فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٤٤) فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (٤٥) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ (٤٦))
يقول الحق جل جلاله ، حاكيا عن المؤمن : (وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ) ؛ إلى السلامة من النار ، (وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ) بسلوك أسبابها. كرر نداءهم ؛ إيقاظا لهم عن سنة الغفلة ، واعتناء بالمنادى به ، ومبالغة فى توبيخهم ، وفيه أنهم قومه ، وأنه من آل فرعون ، وجىء بالواو فى النّداء الثالث ، دون الثاني ؛ لأن الثاني