معها ـ ومن خائنة أعين الموحّدين ـ أي : السائرين للتوحيد ـ أن يخرج منها قطرة دمع ، تأسفا على مخلوق يفوت من الدنيا والآخرة ، ومن خائنة الأعين : النظر إلى غير المحبوب بأى وجه كان ، ففى الخبر : «حبّك الشيء يعمى ويصمّ» (١) ، أي : يغيبك عن غيره ، فلا ترى إلا محاسن الحبيب ، وجماله فى مظاهر تجلياته ، وإليه يشير قول ابن الفارض رضي الله عنه :
عينى لغير جمالكم لا تنظر |
|
وسواكم فى خاطرى لا يخطر |
وقوله تعالى : (وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِ) قال القشيري : يقضى للأجانب بالبعاد ، ولأهل الوداد بالوصال ، ويقضى يوم القدوم بعدل (٢) عمال الصدود. ه. أي : يعدل فى أهل الصدود عن حضرته ، فيجازيهم بنعيم الأشباح فقط. ثم قال : وإذا ذبح الموت غدا بين الجنة والنّار على صورة كبش أملح ، فلا غرو أن يذبح الفراق على رأس سكة الأحباب ، فى صورة شخص ، ويصلب على جذوع الغيرة ، لينظر إليه أهل الحضرة. ه.
ثم أمر بالتفكر ـ الذي هو طريق النّجاة من كل ضرر ـ فقال :
(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ (٢١) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٢))
قلت : (هم أشد) : ضمير فصل ، وحقه أن يقع بين معرفتين ، إلا أنّ (أشد) لمّا ضارع المعرفة فى كونه لا يدخله الألف واللام أجرى مجراها.
يقول الحق جل جلاله : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي) أقطار (الْأَرْضِ ، فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ) أي : مآل من قبلهم من الأمم المكذّبة لرسلهم ، كعاد ، وثمود ، وأضرابهم ، (كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) أي : قدرة وتمكنا من التصرف ، (وَآثاراً فِي الْأَرْضِ) ؛ وأشد تأثيرا فى الأرض ، ببناء القلاع الحصينة ،
__________________
(١) أخرجه أحمد فى المسند (٥ / ١٩٤) وأبو داود فى (الأدب ، باب فى الهوى ٥ / ٣٤٦ ح ٥١٣٠) والخطيب فى تاريخ بغداد (٣ / ١١٧) من حديث أبى الدرداء رضي الله عنه.
(٢) فى القشيري : [بعزل] ، وهو أنسب.