قبل الورود في تحقيق المرام ينبغي الإشارة إلى البحث عن إمكان تكليف النّاسي بغير ما نسيه من الأجزاء والشّرائط وعدم إمكانه ، فنقول :
ذهب جماعة إلى عدم الإمكان وقالوا : باستحالة تكليف النّاسي ، فلو دلّ دليل على صحّة عمله الفاقد للجزء والشّرط أو المشتمل على المانع والقاطع ، كان ذلك من باب وفاء ما اتي به بملاك ما امر به ، لا من باب مطابقة المأتي به للمأمور به ؛ واستدلّوا على ذلك بأنّ النّاسي لو التفت إلى نسيانه بالخطاب خرج عن نسيانه وصار ذاكرا ، فلا يصير الحكم والتّكليف المختصّ به فعليّا في حقّه ، ولو لم يلتفت فلا ينبعث بالخطاب والبعث ، فيصير البعث لغوا.
وذهب جماعة اخرى منهم المحقّق الخراساني قدسسره إلى الإمكان ؛ وذلك لوجهين : أحدهما : أن يكلّف النّاسي ويخاطب لا بعنوان «النّاسي» حتّى يلزم الانقلاب أو اللّغويّة ، بل بعنوان آخر ملازم له واقعا مع عدم التفاته إلى الملازمة.
وفيه : أنّ هذا أشبه بالوهم والخيال ومحض فرض لا واقع له ، مع أنّ النّسيان حسب اختلاف الأشخاص والأزمان ممّا ليس له ميزان حتّى يفرض عنوان ملازم له في جميع الأزمان.
ثانيهما : أن يوجّه الخطاب على وجه يعمّ الذّاكر والنّاسي ـ بأن يجعل عنوان العامّ الّذي يشملهما كعنوان المكلّف ـ بما عدا المنسي من الأجزاء والشّرائط ، ثمّ يكلّف خصوص الذّاكر بالمنسي منهما ، فتختصّ إذا جزئيّتها أو شرطيّتها بحال الذّكر. (١)
__________________
(١) راجع ، كفاية الاصول : ج ٢ ، ص ٢٤٠.