هذا ، وقد ذكروا في دوران الأمر بين النّسخ والتّخصيص : أنّ التّخصيص مقدّم على النّسخ لكثرته وشيوعه وقلّة النّسخ وشذوذه ، وأشار إلى ذلك ـ أيضا ـ الشّيخ الأنصاري قدسسره عند ذكر المرجّحات النّوعيّة بقوله : «منها : لا إشكال في تقديم ظهور الحكم الملقى من الشّارع في مقام التّشريع في استمراره باستمرار الشّريعة على ظهور العامّ في العموم الأفراديّ ، ويعبّر عن ذلك بأنّ التّخصيص أولى من النّسخ ... والمعروف تعليل ذلك بشيوع التّخصيص وندرة النّسخ». (١)
وكذا أشار إليه المحقّق الخراساني قدسسره ـ أيضا ـ بقوله : «ومنها : ما قيل في ما إذا دار بين التّخصيص والنّسخ ... في وجه تقديم التّخصيص على النّسخ من غلبة التّخصيص وندرة النّسخ». (٢)
وفيه : أوّلا : أنّ كثرة التّخصيص وشيوعه لا توجب إلّا مجرّد الظّنّ به من باب أنّ الشّيء عند الشّكّ ، يلحق بالأعمّ الأغلب ، وهذا المقدار غير كاف في القرينيّة على التّخصيص حسب التّفاهم العرفيّ.
وثانيا : أنّ دليل الخاصّ كقولنا : لا تكرم فسّاق العلماء ، إنّما يدلّ على ثبوت الحكم لعنوانه وطبيعيّه وجميع أفراده العرضيّة وضعا ، وأمّا دلالته على استمرار ذلك الحكم وشموله للأفراد الطّوليّة ، فإنّما هي بالإطلاق الّذي ينعقد بمقدّمات الحكمة ، فيدور الأمر حينئذ بين إطلاق الخاصّ حسب الزّمان وبين عموم العامّ لجميع الأفراد ، ومن المعلوم ، أنّ العموم مستند إلى الوضع ، وقد تقدّم أنّ ما بالوضع مقدّم
__________________
(١) فرائد الاصول : ج ٤ ، ص ٩٣ و ٩٤.
(٢) كفاية الاصول : ج ٢ ، ص ٤٠٤.