وفيه : أنّ قياس المقام بالطّريقين المذكورين يكون مع الفارق ؛ إذ اختيار الطّريق المأمون من الضّرر وترك الآخر الّذي هو محتمل الضّرر ، أمر عقلائيّ ارتكازيّ بلا شبهة ، وليس من باب النّقص المبحوث عنه ، بل يكون من باب الأخذ باليقين وترك الشّكّ والاحتمال ، أو من باب الأخذ والعمل بالاحتمال وترك العمل باليقين لو انعكس الأمر.
وبالجملة : ليس في مثال الطّريقين أثر من النّقض المتنازع فيه ، بل أخذ واختيار لطريق مأمون من الضّرر ، وترك لطريق غير مأمون منه ، وهذا أمر ارتكازيّ لا خلاف فيه ، وأمّا كبرى عدم جواز نقض اليقين بحدوث شيء بالشّكّ في بقاء ذلك الشّيء ، فليس كذلك ، ولا يساعده الارتكاز ولم تقم عليه السّيرة العقلائيّة ، كما قامت في ذلك المثال.
وكيف كان ، إنّ هذه الصّحيحة تدلّ بإطلاقها على أنّ الاستصحاب حجّة مطلقا ، سواء كان متعلّق اليقين حكما كلّيّا أو جزئيّا أو موضوعا خارجيّا ، وبلا فرق بين الشّكّ في المقتضي والشّكّ في الرّافع ، ولا ينبغي أن يتوهّم لزوم استعمال اللّفظ : وهو قوله عليهالسلام «لا يجوز نقض اليقين بالشّكّ» في أكثر من معنى واحد ، لوضوح أنّ المراد من الصّحيحة ليس إلّا عدم جواز نقض اليقين بالشّكّ ، غاية الأمر ، يتعدّد متعلّق اليقين على ما أشرنا ، نظير ما قرّر في حديث الرّفع من شموله لكلتي الشّبهتين ، (الحكميّة والموضوعيّة) وأنّه يدلّ على رفع المجهول مطلقا ، سواء كان منشأ الجهل عدم تماميّة البيان من ناحية الشّريعة بفقد النّص ، أو إجماله ، أو تعارض النّصين ، أو كان منشؤه هي الامور الخارجيّة ، كالعمى والظّلمة.