الثّاني : إنّ لفظ : «النّقض» في كبرى التّعليل وهي قوله عليهالسلام : «ولا تنقض اليقين ...» دليل على أنّ المعيار هو نفس اليقين وأنّه لكونه أمرا مبرما ، لا ينقض بمثل الشّكّ غير المبرم.
الثّالث : أنّ لفظ : «أبدا» في كبرى التّعليل إشارة إلى أنّ عدم جواز نقض اليقين بالشّكّ ، قاعدة كليّة أبديّة لا تختصّ بمورد دون مورد.
ثمّ إنّه قد يتوهّم أنّ كون عدم جواز نقض اليقين بالشّكّ قاعدة ارتكازيّة ، ينافي ما ذكرناه سابقا من عدم تحقّق السّيرة العقلائيّة على العمل بالاستصحاب وأنّ عملهم على طبق الحالة السّابقة مبنيّ على الاطمئنان أو الرّجاء أو الغفلة.
وقد دفع هذا التّوهم ، بعض الأعاظم قدسسره بأنّ القاعدة مسلّمة ارتكازيّة ، ولا منافاة لما ذكر سابقا ؛ بتقريب : أنّ اليقين والشّكّ بمنزلة الطّرفين ، يكون أحدهما مأمونا من الضّرر ، والآخر محتمل الضّرر ، فإذا دار الأمر بينهما ، لا إشكال في أنّ المرتكز هو اختيار الطّريق المأمون ، وأنّ إنكار السّابق ، راجع إلى تطبيق هذه الكبرى على الاستصحاب ، حيث لا يصدق النّقض عرفا لاختلاف موقفين ، فإنّ اليقين متعلّق بالحدوث فقط ، والشّكّ متعلّق بالبقاء ، فلا اتّحاد في المتعلّق حتّى ينقض اليقين بالشّكّ ، وعليه ، فتطبيق هذه الكبرى على الاستصحاب إنّما هو بالتّعبّد الشّرعيّ لأجل هذه الصّحيحة وغيرها ، ولا بدع في كون الكبرى مسلّمة ارتكازيّة مع كون بعض الصّغريات غير واضحة ، ككبرى استحالة اجتماع الضّدّين وصغرى اجتماع الأمر والنّهي في شيء واحد ذي جهتين ، حيث إنّ هذه الكبرى ممّا لا خلاف في امتناعها ، وأمّا الصّغرى فخلافيّة. (١)
__________________
(١) راجع ، مصباح الاصول : ج ٣ ، ص ١٩.