ـ أيضا ـ أنّ قصد عنوانها هو عين القصد لإتيان ذيها والتّوصّل بها إليه ، ومحذور لزوم التّفكيك بينهما في الاشتراط ، مندفع بكون القصد المذكور شرطا للواجب لا للوجوب ، والتّبعيّة المشار إليها سابقا ، إنّما تكون في شرط الوجوب ، لا الواجب.
وفيه : أوّلا : أنّ رجوع التّعليل في الحكم العقلي إلى التّقييد ، ممنوع ؛ إذ حكم العقل ، كغيره له موضوع وهو العنصر القابلي ، وعلّة وهي العنصر الفاعلي ، فلا معنى لرجوع الفاعل إلى القابل بحيث تصير العلّة موضوعا للحكم.
وثانيا : لو سلّم ذلك ، لكان في الأحكام العقليّة فقط ، ومن المعلوم ، أنّ وجوب المقدّمة بناء على الملازمة ، حكم شرعيّ لا عقليّ.
وثالثا : لو فرض ثبوت ذلك في الأحكام الشّرعيّة ـ أيضا ـ ولكن هذا لا يستلزم دخل القصد في وجوب المقدّمة.
والشّاهد لعدم دخل القصد ، هو أنّ الواجبات النّفسيّة بالنّسبة إلى المصالح الكامنة فيها تكون غيريّة ، ولم يتفوّه أحد بلزوم قصد التّوصّل إليها فيها.
هذا كلّه بالنّسبة إلى القولين الأوّلين فقد عرفت ضعفهما.
وأمّا القول الثّالث : (اشتراط وجوب المقدّمة بكونها موصلة) وهو المختار ، فقد استدلّ عليه بجهات : (١)
الجهة الاولى : أنّ الحاكم بالملازمة هو العقل ، ومن الواضح ، أنّه لا يدركها إلّا في خصوص الحصّة الموصلة الّتي تقع في سلسلة علّة وجود ذي المقدّمة ، والعقل دليل لبّى ليس له عموم أو إطلاق ، فيكتفى بالقدر المتيقن ، وهو حكمه بالملازمة ووجوب خصوص المقدّمة الموصلة دون غيرها.
__________________
(١) راجع ، الفصول الغروية : ص ٦٩.