وثانيا : أنّ عدم انفكاك المعلول عن علّته في التّكوين ممّا يقطع به ويبرهن عليه ، بخلاف التّشريع ؛ ضرورة ، أنّ الأوامر قد تتعلّق بنفس الطّبيعة مجرّدة عن الفور والتّراخى ، واخرى تتعلّق بها مقيّدة بواحد منهما بلا لزوم استحالة أصلا.
وثالثا : أنّ مقتضى الملازمة بين الوجوب والإيجاب ، تعلّق الوجوب بعين ما تعلّق به الإيجاب ، فإذا تعلّق الأمر بنفس الطّبيعة ، لا يمكن أن يدعو إلى أمر زائد عليها من زمان خاصّ أو غيره ، فوزان الزّمان ، وزان المكان ، وكلاهما كسائر القيود العرضيّة ، لا يتكفّل الأمر بالطّبيعة إثباتهما ، لفقد الوضع والدّلالة وعدم التّشابه بين التّشريع والتّكوين. (١) هذا كلّه بالنّسبة إلى الدّليل العقلي.
أمّا الدّليل النّقلى ، فقد يقال : باستفادة الفوريّة من الآيات الآمرة بالاستباق والمسارعة ، كقوله تعالى : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ)(٢) وقوله تعالى : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ.)(٣)
بتقريب : أنّ المراد من المغفرة أسبابها ، ومن المعلوم ، أنّ المأمور به يكون من مصاديق الخيرات وأسباب المغفرة ، فيجب على المكلّف المسارعة والاستباق إليه فورا ففورا ؛ لدلالة الأمر على الوجوب (٤) ، وعدم سقوطه بالعصيان في الزّمن الأوّل لبقاء الموضوع والملاك ، ولازم ذلك هو الإتيان بجميع الواجبات فورا ففورا على وجه تعدّد المطلوب.
__________________
(١) راجع ، تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ١٣٣.
(٢) سورة البقرة (٢) : الآية ١٤٨.
(٣) سورة آل عمران (٣) : الآية ١٣٣.
(٤) راجع ، كتاب بدائع الأفكار : ج ١ ، ص ٢٥١ و ٢٥٢ ؛ وتنقيح الاصول : ج ١ ، ص ٢٨١.