وقد ذهب إلى هذا القسم جمع من الأعلام قدسسره (١) وهو الحقّ المختار.
توضيح ذلك ـ على ما قرّره الإمام الرّاحل قدسسره ـ أنّ الموجودات المادّيّة تحصل صورها في أنفسنا :
تارة : بإدراك ذات الشّيء ووصفه العنواني معا تفصيلا بحيث تدرك الذّات بإدراك والوصف بإدراك آخر ، فيكونان مدركين مستقلين بإدراكين مستقلّين.
واخرى : بإدراك كلّ من الذّات والوصف العنواني بإدراك واحد ؛ لكونهما أمرا واحدا معنونا وحدانيّا.
واخرى : بإدراك ذات الشّيء بلا وصف عنواني.
ولا يخفى : أنّ الحاكي عن الأوّل هو المركّب من لفظين ، أو أزيد ، كقولنا : «الجسم له البياض» فيدلّ بدلالات متعدّدة مستقلّة من ناحية كلمات وألفاظ متعدّدة على مدلولات ومعان متعدّدة مدركة بإدراكات متعدّدة.
وأمّا الحاكي عن الثّاني ، فهو المشتقّ ، حيث إنّه يحكي عن الذّات وحدها ، لا عنها وعنوانها تفصيلا ، بل يحكي عن المعنون بما هو معنون ، وهذا كالابيض ، فإنّه يدلّ بدلالة واحدة على معنى واحد وهو المعنون بما هو معنون بلا تفصيل وتكثير ، بل بنحو الاندماج والوحدة ، فلا تعدّد في الدّال ولا في الإدراك ولا في المدلول ، إلّا بالتّعمّل والتّحليل.
وأمّا الحاكي عن الثّالث ، فهو الجامد ، كالجسم ـ مثلا ـ فإنّه يدلّ بدلالة واحدة على معنى واحد بلا تركيب فيه ، لا بدءا ، كما هو واضح ولا تعمّلا ولا تحليلا.
__________________
(١) راجع ، الفصول الغرويّة : ص ٤٨ و ٤٩ ؛ ونهاية الأفكار : ج ١ ، ص ١٤٤ ؛ ومناهج الوصول : ج ١ ، ص ٢٢١.