وَيصرح القرآن : أنّ الأمر ليس كما يتوهم هؤلاء ، وقولهم هذا سببه الصدأ الذي أحاط قلوبهم وحال دون أن يعقلوا شيئاً.
لقد استخدمت مفردة «رَيْن» في هذه الآية الكريمة ، وقد قلنا سابقاً : أنّ لها معاني ثلاثة (على ما يدعيه أئمّة اللغة) الأول : الصدأ الذي يعلو الأشياء القيّمة ، الثاني : الصدأ الذي يعلو الفلزات وهو علامة تآكل وفساد ذلك الفلز ، الثالث : كل شيءٍ غلب على شيءٍ آخر ، ولهذا تستعمل هذه المفردة في مجال غلبة الشراب المسكر على العقل وغلبة الموت على الأحياء ، وغلبة النوم على العيون (١).
وبالطبع يمكن جمع هذه المعاني الثلاثة في مفهوم واحد وهو الصدأ الذي يستحوذ على الأشياء ويعلوها ، ثم اطلقت هذه المفردة على غلبة كل شيءٍ على شيءٍ آخر.
ونستشف من هذه الآية أنّ الإثم يعكر صفاء القلب بحيث يمنع انعكاس الحقائق في هذه المرآة الإلهيّة ، وإلّا فإنّ آيات الله خصوصاً في مسألة المبدأ والمعاد واضحة ولا تقبل الانكار.
ولهذا فقد قال بعض المفسرين : يظهر من هذه الآية أولاً : أنّ الأعمال القبيحة تُوجِد نقوشاً وصوراً في نفس الإنسان ، وثانياً : أنّ هذه الصور والنقوش تحول دون إدراك الحق. وثالثاً : إنّ روح الإنسان ـ وحسب طبيعتها الأولية ـ صافية وشفافة ، وتدرك الحقائق كما هي ، وتميز بين الحق والباطل وبين التقوى والفجور ، كما جاء ذلك في الآيات (وَنَفْسٍ وَمَا سَوّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) (٢). (الشمس / ٧ ـ ٨)
وقد حلل مفسرون آخرون المسألة بشكل ملخص آخر.
عندما يكرر الإنسان عملاً ما فإنّ ملكة نفسانية لذلك العمل ستحصل عنده تدريجياً ، كالقراءة والكتابة ، ففي البداية يشق عليه الأمر ، وبعد الممارسة يتمكن منهما بدرجة لا يحتاج فيهما إلى فكر ودراسة.
__________________
(١). تفسير الكبير ، ج ٣١ ، ص ٩٤ ؛ تفسير روح المعاني ، ج ٣ ، ص ٧٢.
(٢). تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ٣٤٩.