٣ ـ استغلال العلاقة بين «العلم» و «التقوى»
بالرغم من أنّ علاقة المعرفة بالتقوى علاقة لا يمكن انكارها ، سواء من وجهة نظر القرآن المجيد ، أو من وجهة نظر الدليل والعقل (وقد بينا ذلك بالتفصيل) ، إلَّا أن هذا الحديث لا يعني ترك طرق كسب العلم والمعرفة المتعارفة ، والاستغناء بتهذيب النفس بحجّة أنّ تهذيب النفس سيقذف العلم والمعرفة في صدورنا كما ظن ذلك عدد من الصوفية الذين اتخذوا هذه المسألة حجة لمقارعة المعرفة وكسب العلم وظلوا في جهل دامس.
إنّ الإسلام أوجب كسب العلم بدرجة حيث اعتبر الحضور في مجلس العلم كالحضور في روضة من رياض الجنّة : «مجلس العلم روضةٌ من رياض الجنة».
كما عدَّ النظر إلى وجه العالم عبادة : «النظر إلى وجه العالم عبادة» (١) ، وكل خطوة يخطوها في سبيل العلم فهي خطوة نحو الجنة (٢).
وقد عدَّ مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء (٣).
وحفظ الحديث وكتابته من الفضائل العظيمة (٤).
ويدعو الإسلام ـ من جهة اخرى ـ إلى تهذيب النفس وتزكيتها لأجل تهيئتها لقبول المعارف والعلوم الإلهيّة.
وعلى هذا ، فأولئك الذين تركوا طلب العلم وأوصوا زملاءهم وأتباعهم بتركه ، والتوجه إلى تصفية الباطن وتزكيتها على خطأٍ ، لأنّ التزكية هذه غالباً ما تنحرف عن جادة الصواب بسبب عدم اقترانها بالعلم والمعرفة ، وكذلك أولئك الذين انهمكوا في كسب العلوم الرسمية وأهملوا تهذيب النفس ، فانهم في ضلالة ، نعم ينبغي السعي نحو كليهما.
* *
__________________
(١). غرر الحكم.
(٢). بحار الأنوار ، ج ١ ، ص ١٦٤.
(٣). المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ١٤.
(٤). المحجة البيضاء ، ج ١ ، ص ١٥.