ومن جهة فإنّ هذه الحقيقة تثبت ، وهي : أنّ بين الحياة والممات مسافة قصيرة جدّاً ، بحيث يمكنك البحث عن الممات في قلب الحياة ، فإنّ وفرة الماء التي سببت تقدم قوم سبأ وإزدهار بلادهم وتطور حضارتهم ، سبب هلاكهم يوماً ما!
ومن جهة اخرى فإنّ هذا يكشف عن شدة ضعف هذا الإنسان المغرور ، وذلك لأنّه يقال إنّ السدّ (الذي اطلق عليه سدّ مأرب) ، قد ثُقب بواسطة الجرذان الصحراوية ثقباً صغيراً في البداية ثم توسع الثقب إلى أن أدّى بالسدّ لأنّ ينهدم بالكامل ، وبهذا نرى أن جرذاناً صحراوية أبادت حضارة عظيمة.
ومن جهة ثالثة ، فإنّ المستكبرين من قوم سبأ الذين لم يَرُق لهم رؤية المستضعفين بقربهم ، وحسبوا أنّه ينبغي وجود فاصلة أو سد عظيم كسد مأرب بين أقلية الأشراف والأكثرية المستضعفة ، طلبوا من الله أن يبعد مدنهم عن مدن المستضعفين كي لا يتمكنوا من السفر مع المستكبرين ، ويبقى امتياز السفر خاصاً بهم (رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا) ، (سبأ / ١٩) إلّاأنّ الله فرقهم بشكل حيث لا هم بقوا ولا ظنونهم الباطلة.
ومن جهة رابعة ، فإنّ حياتهم المرفهة أغفلتهم عن ذكر الله ، وما صحوا إلّابعد أن انتهى كل شيء.
وعلى هذا ، فيمكننا بالتأمل والدقّة والاستعانة بالعقل أن نستشف آيات كثيرة من هذه القصة وهذا الحديث (١).
النتيجة :
إنّ المستشف من الآيات الأربع الماضية هو : أنّ كل من كان أدق وأكثر صبراً في دراسته لاسرار الخلق والحياة الاجتماعية ، ولكل من كان شاكراً للنعم ومستعيناً بوسائل المعرفة فإنّ له نصيباً أوفر وأكثر من المعرفة ، ولهذا كان الصبر والشكر أرضيتين ممهدتينِ للمعرفة.
* *
__________________
(١). ينبغي الالفتات إلى أنّ مفردة «أحاديث» التي جاءت في الآية ، منتهى الجموع وتكشف عن وجود أحاديث وقصص كثيرة في ماضي قوم سبأ لا قصة واحدة.