وتستعمل هذه المفردة ـ أحياناً ـ بمعنى «كريه الرائحة» من باب أنّ الرائحة الكريهة تستخلف الرائحة الجيدة إذا ما ذهبت.
وقال البعض : إنّها بمعنى الانحطاط والميل إلى الامور الدنيئة لانَّ هذا المَيْل يدلّ على التخلف (١) ، إلّاأنّ المعنى الأول أنسب من بقيّة المعاني.
وعلى أيّة حال ، فإنّ محبي الرفاه وطلاب العافية غير مستعدين للايثار والتضحية عند الأزمات والكوارث الاجتماعية ، وهم مستعدون لأنّ يُجعلوا في صفوف الأطفال والمرضى دون أن يلتحقوا بصفوف المجاهدين ، ويقول القرآن فيهم ، في نهاية الآية نفسها : (وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ).
نعم ، إنّ حبّ الراحة والرفاه كالحجاب الذي يمنع من الرؤية الفكرية الصحيحة ، فهؤلاء لا يدركون أنّ السعادة ليست بالأكل والشرب ، بل قد تكون في الحضور في ميادين الجهاد ، وفي التخضب بالدماء ، وبلقاء الله ، إلّاأنّ الذي لا يفهم هذه الامور يستهزئ بها.
* *
وتشير الآية الثانية إلى المعذورين عن الجهاد مثل الضعفاء والمرضى والذين لا يملكون الوسيلة للقيام بهذا الأمر ، بينما تشتاق إليه قلوبهم ، وتصب دموعهم لعدم اقتدارهم على الانفاق ، يقول الله فيهم : (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِيْنَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ).
ثم يضيف : (وَطَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَايَعْلَمُونَ) وذلك لأنّ الميل إلى الراحة جَعَلَ حجاباً سميكاً على قلوبهم فلا يكادون يفقهون شيئاً ، إنّ كلتا الآيتين توضح حقيقة واحدة وهي العلاقة بين «التخلف عن الجهاد لأجل الراحة والصحة» و «عدم إدراك الحقائق».
__________________
(١). تفسير الكبير ، ج ١٦ ، ص ١٦٣.