ب) نظرية أولئك الذين يدّعون أنّ المعرفة بجميع أقسامها عند الإنسان فطرية ، بالرغم من اذعانهم لِقابلية الإنسان على إدراك القضايا المختلفة ، ويتصورون أنّ إدراكهُ الفطري انعكاس لتجاربه وحاجاته والضرورات الاجتماعية.
اعتبر «فرويد» عالم النفس المعروف «الوجدان الأخلاقي» مجموعة من النواهي الاجتماعية والميول المكبتوتة في ضمير الإنسان ، يقول : إنّ «الوجدان الأخلاقي» لا يمثل سلوكاً ذاتياً وعميقاً لروح الإنسان ، بل إنّه رؤية باطنية بسيطة للنواهي الاجتماعية ، ولا يوجد في تاريخ المجتمع ولا تاريخ الفرد تصورات بدائية عن حسن الأشياء وقبحها ، وقد تولدت هذه التصورات من البيئة الاجتماعية وتشعبت عنها (١).
وقد فسر أتباع المذهب المادي (الديالكتيك) الإدراكات الفطرية على أساس مقولتهم المعروفة «كل شيء وليد الظروف والاوضاع الاقتصادية» ، فانكروا وجودها.
ج) نظرية أولئك الذين يرون أن قسماً من معلوماتنا فطرية والقسم الآخر مُكتسب ، والمعلومات المكتسبة تنتهي إلى تلك المعلومات الفطرية وهي أساسها.
وقد أثبتت الأدلة المنطقية العقلية ، والأدلة النقلية من الآيات والروايات هذه النظرية وذلك للاسباب الآتية :
أولاً : أننا نعتقد بوجود قضايا بديهية مُسَلّمٌ بها في الرياضيات وبدون تلك البديهيات لا يمكن اثبات أيّة قضية رياضية ، كذلك الأمر بالنسبة للقضايا الاستدلالية الاخرى ، فلابد من اعتمادها على قضايا بديهية مسلّم بها تكون الأساس لكلِّ استدلال.
وبعبارة اخرى : لو أنكرنا القضايا الفطرية بالكامل لأَنكرنا جميع معارفنا ، لأنّ جميع القضايا العقلية ستكون مرفوضة ، وسنسقط في النهاية في وأدّي السفسطة.
__________________
ـ والمجردات و «المُثل» ، أي أنّها أدركت الحقائق ونسيتها بمجرّد دخولها في عالم الكون والفساد ، إلّاأنّها لم تنمحِ عنها بالكامل ، فالإنسان كالظل والشبح فما هو في «المُثل» يتذكره بمجرّد الالتفات إليه ، فكسب العلم والمعرفة تذكر في الحقيقة ، وإذا كان الإنسان جاهلاً منذ البدء فلا يمكنه تحصيل العلم (مسير الحكمة في اروبا ج ١ ، ص ٢٣ ـ نظريات افلاطون).
(١). أفكار فرويد ، ص ١٠٥ ؛ ومجموعة ماذا أعلم ـ للأمراض اخر الروحية ـ ، ص ٦٤ (بالفارسية).