وأراد بعض المؤرّخين أن يدافع عن عثمان فقال : إنّه كان شديد الرأفة والرقّة واللين والتسامح. نعم ، إنّه كذلك ، ولكن مع أرحامه وأسرته ، أمّا مع الجبهة المعارضة لسياسته فقد اتّسم بالشدّة والغلظة معهم ، فقد نفى المصلح العظيم أبا ذرّ إلى الشام ، ثمّ إلى الربذة ، وفرض عليه الإقامة الجبرية فيها ، وقد انعدمت في هذه البقعة جميع وسائل الحياة حتى مات جائعا غريبا وفي يد عثمان ذهب الأرض ينفقه بسخاء على بني أميّة وآل أبي معيط. كما نكل بالطيّب ابن الطيّب عمّار بن ياسر صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأمر بضربه حتى أصابه فتق ، وألقته شرطته في الطريق مغمى عليه ، كما نكّل بعبد الله بن مسعود القارئ الكبير فقد ألهبت جسمه سياط شرطته وهشّموا أضلاعه وحرّم عليه العطاء ، وهكذا كانت معاملته مع الناقمين لسياسته ، أمّا المؤيّدون له فقد وهبهم الثراء العريض وأسند لهم المناصب الحسّاسة في الدولة وحملهم على رقاب الناس.
من النزعات التي اشتهر بها عثمان هو أنّه كان عظيم الحبّ والولاء لاسرته ، حتى تمنّى أن تكون مفاتيح الجنّة بيده ليهبها لبني أميّة ، ولمّا تقلّد زمام الدولة آثرهم بالفيء ، ووهبهم الملايين ، وجعلهم ولاة على الأقطار والأمصار الإسلامية ، وكانت تتواتر إليه الأخبار أنّهم جانبوا الحقّ وأشاعوا الفساد في الأرض فلم يحفل بذلك ، ولم يجر معهم أي لون من التحقيق الأمر الذي أدّى إلى النقمة عليه ، وسنتعرّف على ذلك في البحوث الآتية.
وكان عثمان شديد الميل إلى الترف والبذخ ، فاتّخذ القصور ، واصطفى لنفسه ما شاء من بيت المال ، وأحاط نفسه بالثراء العريض ، ووصفه الإمام عليهالسلام بقوله :