عن وظائفهم ، ولا تشاطر أموالهم كما فعل عمر.
وعلى أي حال فإنّ شدّة عمر ومراقبته لولاته لم تجد ، فقد كانت هناك شكاوى متّصلة منهم ، فقد أرسل إليه بعض المسلمين يشتكون من القائمين على الخراج ، وفيها هذان البيتان :
نئوب إذا آبوا
ونغزوا إذا غزوا |
|
فأنّى لهم وفر
ولسنا أولي وفر |
إذا التاجر
الداري جاء بفأرة |
|
من المسك راحت
في مفارقهم تجري (١) |
بقي هنا شيء يدعو إلى التساؤل ، وهو أنّ عمر قد استعمل الشدّة والصرامة مع عمّاله وولاته سوى معاوية بن أبي سفيان فإنّه كان يحدب عليه ويشفق ، فلم يفتح معه أي لون من التحقيق ولم يحاسبه على بذخه وإسرافه ، وتكدّس الأموال عنده حيث تتواتر إليه الأخبار باختلاسه لبيت المال وإنفاقه الأموال الهائلة على رغباته وتوطيد ملكه فيعتذر عنه ويشيد به قائلا :
تذكرون كسرى وقيصر ودهاءهما وعندكم معاوية (٢) ، وهذا مجاف لما في الحديث النبوي : « هلك كسرى ثمّ لا يكون كسرى بعده ، وقيصر ليهلكنّ ثمّ لا يكون قيصر بعده ، والّذي نفسي بيده! لتنفقنّ كنوزهما في سبيل الله ... ».
لقد بالغ في تسديد معاوية والإشادة به ولم يحفل بجرحه ، فقد أخبره جماعة من الصحابة أنّ معاوية قد جافى سنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فهو يلبس الحرير والديباج ويستعمل أواني الذهب والفضة ولا يتحرّج في أعماله وسلوكه عمّا خالف السنّة ، فأنكر عليهم عمر وقال لهم :
دعونا من ذمّ فتى من قريش من يضحك في الغضب ولا ينال ما عنده من
__________________
(١) فتوح البلدان : ٣٨٤.
(٢) تاريخ الطبري ٦ : ١١٤.