فإن قيل : لم قالت كما ورد في التنزيل (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٤)) وهي إنّما أسلمت بعده على يده لا معه ، لأنه كان مسلما قبلها؟
قلنا : إنما عدلت عن تلك العبارة إلى هذه لأنها كانت ملكة ، فلم تر أن تذكر عبارة تدل على أنها صارت مولاة له ، بإسلامها على يده ، وإن كان الواقع كذلك.
فإن قيل : كيف يكونون صادقين وقد جحدوا ما فعلوا ، فأتوا بالخبر على خلاف المخبر عنه؟
قلنا : كأنهم اعتقدوا أنهم إذا جمعوا بين البيانين ، ثم قالوا : (ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ) [الآية ٤٩] يعنون ما شهدناه وحده كانوا صادقين ، لأنهم شهدوا مهلكه ومهلك أهله.
فإن قيل : لم قال تعالى : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) [الآية ٦٥] ونحن نعلم الجنة والنار وأحوال القيامة ، وكلّها غيب؟
قلنا : معناه لا يعلم الغيب بلا دليل إلا الله ، أو بلا معلم إلا الله سبحانه ، أو جميع الغيب إلا الله جلّ وعلا. وقيل معناه : لا يعلم ضمائر السماوات والأرض إلا الله.
فإن قيل قوله تعالى : (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) [الآية ٦٦] أو «أدرك» على اختلاف القراءتين ، هل مرجع الضمير فيه وفي ما قبله واحد أم لا؟ وكيف مطابقة الإضراب لما قبله ، ومطابقته لما بعده من الإضرابين؟ وكيف وصفوا بنفي الشعور ثم بكمال العلم ، ثم بالشك ، ثم بالعمى؟
قلنا : مرجع الضمير في قوله تعالى : (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ) [الآية ٦٦] هو الكفّار فقط ، وفيما قبله جميع من في السماوات والأرض ، وقوله تعالى : (بَلِ ادَّارَكَ) معناه بل تتابع وتلا حق واجتمع كقوله تعالى : (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً) [الأعراف : ٣٨] وأصله تدارك ، فأدغم التاء في الدال ، وقوله تعالى : (بَلِ ادَّارَكَ) معناه بل كمل وانتهى. قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد ما جهلوه في الدنيا علموه في الاخرة. وقال السعدي : يريد اجتمع علمهم يوم القيامة فلم يشكوا ولم يختلفوا. وقال مقاتل : يريد علموا في الآخرة ما شكوا فيه وعموا عنه في الدنيا ، وقوله تعالى : (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ