وقوله تعالى : (فَأَجاءَهَا) فعل مزيد بالهمزة ، والثلاثي «جاء» إلّا أنّ استعمال المزيد قد تغيّر بعد الزيادة إلى معنى الإلجاء ، تقول : جئت المكان ، وأجاءنيه زيد ، كما تقول : بلغته وأبلغنيه.
ونظيره «آتي» ، حيث لم يستعمل إلّا في الإعطاء. ولم تقل : أتيت المكان وآتانيه فلان.
أقول : وليس لنا في العربية المعاصرة الفعل المزيد «أجاء».
٤ ـ وقال تعالى : (وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) (٢٣).
وقرئ «نسيا» بكسر النون وفتحها ، فمن قرأ بالكسر فمعناه : حيضة ملقاة ، أي ، خرقة الحيض ، ومن قرأ بالفتح فمعناه شيئا منسيا.
والنّسي أيضا : ما نسي وما سقط في منازل المرتحلين من رذال أمتعتهم. وتقول العرب إذا ارتحلوا من المنزل : انظروا أنساءكم ، جمع نسي ؛ وفي حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ «وددت أني كنت نسيا منسيا» أي شيئا حقيرا مطّرحا ولا يلتفت إليه.
وقال تعالى : (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) (٢٤).
السّريّ : النهر ، عن ثعلب ، وهو الجدول الصغير يجري إلى النخل ، والجمع أسرية وسريان.
وكذلك قال ابن عبّاس ، وهو قول أهل اللغة.
وروي عن الحسن ، أنّه كان يقول كان والله سريّا من الرجال ، ويعني عيسى (ع).
٦ ـ وقال تعالى : (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا) (٢٧).
قال الفرّاء : الفريّ الأمر العظيم ، أي : جئت شيئا عظيما.
وقيل : جئت شيئا فريّا ، أي مصنوعا مختلقا.
وفلان يفري الفريّ ، إذا كان يأتي بالعجب في عمله.
وقال النبي (ص) في عمر ، رضي الله عنه ، ورآه في منامه ينزع عن قليب (١) بغرب (٢) : فلم أر عبقريّا يفري فريّه.
__________________
(١). القليب : البئر.
(٢). الغرب : الدّلو العظيمة.