(إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ) [الآية ١٥٧]؟
قلنا : قالوه على طريق الاستهزاء ، ومثال ذلك ما أورده القرآن الكريم حكاية على لسان فرعون : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) (٢٧) [الشعراء].
فإن قيل : لم وصفهم بالشك بقوله تعالى (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) [الآية ١٥٧] ثم وصفهم بالظن في الآية نفسها : بقوله : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ). والشك تساوي الطرفين ، والظن رجحان أحدهما ؛ فكيف يكونون شاكين ظانّين ، وكيف استثنى الظن من العلم وليس الظن فردا من أفراد العلم بل هو قسيمه؟
قلنا : استعمل الظن بمعنى الشك مجازا لما بينهما من المشابهة في انتفاء الجزم ، وأما استثناء الظن من العلم فهو استثناء من غير الجنس كما في قوله تعالى : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً) [مريم / ٦٢] وقيل لأن المراد بالشك هنا ما يشمل الظن ، واستثناء الظن من العلم في الآية منقطع ، ف «إلّا» فيها بمعنى لكن كما في قوله تعالى : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (٢٥) إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) (٢٦) [الواقعة] ، وما أشبهه.
فإن قيل : كيف يكون للناس على الله حجة قبل الرسل وهم محجوجون بما نصبه لهم من الأدلة العقلية الموصلة إلى معرفته حتى قال سبحانه : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) [الآية ١٦٥]؟
قلنا : الرسل والكتب منبهة من الغفلة ، باعثة على النظر في أدلة العقل ، مفصلة لمجمل الدنيا وأحوال التكليف التي لا يستقل العقل بمعرفتها ، فكان إرسالهم إزاحة للعلة وتتميما لإلزام الحجة ، لئلا يقولوا : (لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) [طه / ١٣٤] ، فيوقظنا من سنة الغفلة وينبهنا لما وجب الانتباه له.
فإن قيل لم قال تعالى : (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) [الآية ١٦٦] ولم يقل أنزله بقدرته أو بعلمه وقدرته ، مع أن الله تعالى لا يفعل إلا عن علم وقدرة؟
قلنا قال تعالى : (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) أي عالما به ، أو : وفيه علمه : أي معلومه أو معلمه من الشرائع والأحكام. وقيل معناه : أنزله عليك بعلم منه أنّك أولى بإنزاله عليك من سائر خلقه.
فإن قيل : كلام الله صفة قديمة قائمة