مصرّا عليه ، فإن تاب عنه لم يجز به.
الثاني أن المؤمن يجازى في الدنيا بما يصيبه فيها من المرض وأنواع المصائب ، والمحسن كما جاء في الحديث ، والكافر يجازى في الآخرة.
فإن قيل : لم خص المؤمنين الصالحين بأنهم لا يظلمون بقوله سبحانه (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) [الآية ١٢٤] مع أن غيرهم لا يظلم أيضا؟
قلنا : قوله تعالى (وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) (١٢٤) راجع إلى الفريقين : عمال السوء وعمال الصالحات ، لسبق ذكر الفريقين. الثاني : أن يكون من باب الإيجاز والاختصار فاكتفى بذكره عقب الجملة الأخيرة عند ذكر أحد الفريقين لدلالته على إضماره عقب ذكر الفريق الآخر ، ولا يظلم المؤمنون بنقصان أعمالهم ، ولا الكافرون بزيادة عقاب ذنوبهم. الثالث : أن المراد بالظلم نفي نقصان ثواب الطاعات ، وهذا مخصوص بالمؤمنين ، لأن الكافرين ليس لهم على أعمالهم ثواب ينقص من العقاب على ذنوبهم.
فإن قيل : طلب الإيمان من المؤمنين تحصيل حاصل ، فكيف قال جلّ شأنه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) [الآية ١٣٦].
قلنا : معناه : يا أيها الذين آمنوا بعيسى آمنوا بالله ورسوله محمد. وقيل معناه : يا أيها الذين آمنوا يوم الميثاق آمنوا الآن. وقيل معناه : يا أيها الذين آمنوا علانية آمنوا سرّا.
فإن قيل : قوله تعالى : (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) [الآية ١٤١](وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ) [الآية ١٤١] لما ذا سمى ظفر المؤمنين فتحا وظفر الكافرين نصيبا؟
قلنا : تعظيما لشأن المؤمنين وتحقيرا لحظ الكافرين ، لأن ظفر المسلمين أمر عظيم يتضمن نصرة دين الله وعزة أهله ، وتفتح له أبواب السماء حتى ينزل على أولياء الله ، وظفر الكافرين ليس إلا حظا دنيئا وعرضا من متاع الدنيا يصيبونه ، ولا يتضمن شيئا مما ذكرنا.
فإن قيل لم قال تعالى : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (١٤١) وقد نصر الكافرين على المؤمنين يوم أحد وفي غيره أيضا إلى يومنا هذا؟