قلنا : قيل إن الرجاء هنا بمعنى الخوف كما في قوله تعالى : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) (١٣) [نوح] وقوله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) [الجاثية / ١٤] وقول الشاعر :
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها وعلى قول من قال إنه بمعنى الأمل تقول : قد بشر الله المؤمنين في القرآن ووعدهم بإظهار دينهم على الدين كله ، ومثل هذه البشارة والوعد لم يوجد في سائر الكتب فافترقا. وقيل الرجاء ما يكون مستندا إلى سبب صحيح ومقدمات حقة ، والطمع ما يكون مستندا إلى خلاف ذلك ؛ فالرجاء للمؤمنين ، وأما الكافرون فلهم طمع لا رجاء.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله تعالى : (أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) [الآية ١١٠] بعد قوله في الآية نفسها : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً) وظلم النفس من عمل السوء ، فلم لم يقتصر على الأول مع أن الثاني داخل فيه؟
قلنا : «أو» بمعنى الواو ، فمعناه ويظلم نفسه بذلك السوء حيث دساها بالمعصية. وقيل المراد بعمل السوء التّلبّس بما دون الشرك ، وبظلم النفس الشرك. وقيل المراد بعمل السوء الذنب المتعدي ضرره إلى الغير ، ويظلم النفس الذنب المقتصر ضرره على فاعله.
فإن قيل : قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) [الآية ١١٣] ظاهره نفي وجود الهم منهم بإضلاله ، والمنقول في التفاسير أنهم هموا بإضلاله ، وزادوا على الهم الذي هو القصد القول المضل أيضا ، يعرف ذلك من تفسير أول القصة وهو قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللهَ).
قلنا : قوله تعالى : (لَهَمَّتْ) [الآية ١١٣] ليس جواب «لولا» بل هو كلام مقدم على لولا ، وجوابها في التقدير مقول على طريق القسم ، وجواب لو لا محذوف تقديره لقد همت طائفة منهم أن يضلوك ولو لا فضل الله عليك ورحمته لأضلوك.
فإن قيل : النجوى فعل «ومن» اسم ، فكيف صح استثناء الاسم من الفعل في قوله تعالى (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ