لفضل ورحمة ، خصهم الله تعالى بها غير إرسال الرسول وهو زيادة الهداية ونور البصيرة.
فإن قيل : لم قال تعالى : (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً) (٨٧) ، مع أنه لا تفاوت بين صدق وصدق في كونه صدقا كما في القول والعلم لا يقال هذا القول أقول ، ولا هذا العلم أعلم ، ولا هذا الصدق أصدق ، لأن الصدق عبارة عن الإخبار المطابق للواقع ، ومتى ثبت أنه مطابق للواقع لا يحتمل الزيادة أو النقصان؟
قلنا : أصدق هنا صفة للقائل لا صفة للقول ، والقائلان يتفاوتان في الصدق في نفس الأمر وإن تساويا في قصة واحدة أخبرا بها وكان كل واحد منهما صادقا فيها. وحاصله أن هذا استفهام معناه النفي كما في قوله تعالى : (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) [آل عمران ١٣٥] معناه لا أحد يغفرها إلا الله ، فمعناه هنا : لا أحد أصدق في حديثه من الله ، فيكون ترجيحا للمحدث على المحدث في الصدق ، لا ترجيحا لأحد الصدقين على الآخر ، ولا شك أنه لا أحد أصدق في حديث من الله لأن غيره يجوز عليه غير الصدق عقلا ، ويقع منه أيضا ولو نادرا ، والله تعالى منزه عن الأمرين جميعا.
فإن قيل : قوله تعالى : (كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها) [الآية ٩١] يقال : ركسه وأركسه : أي رده ، فيصير معناه كلما ردوا إلى الفتنة ردوا فيها وهو تكرار.
قلنا : جوابه أن الفاعل مختلف فانتفى التكرار وصار المعنى : كلما دعاهم قومهم إلى الشرك ردهم الله إليه وقلبهم بشؤم نفاقهم ، فالرد الأول بمعنى الدعاء ، والركس بمعنى الرد والنكس.
فإن قيل لم قال تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) [الآية ٩٢] مع أنه ليس له أن يقتله خطأ.
قلنا : «إلا» بمعنى و «لا» كما في قوله تعالى (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) [النمل] وقوله تعالى : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) [البقرة / ١٥٠]. الثاني معناه أنه ليس له أن يقتله مع تيقن إيمانه ، بل له أن يقتله إذا غلب على ظنه أنه ليس بمؤمن وهو في صف المشركين وإن كان في الأمر نفسه مؤمنا.