ذكرتموه ، بل هو كلام المقصود منه الإخبار عن أن المطيعين لله ورسوله يكونون يوم القيامة مع الأشراف والخواص ، ثم كأن سائلا سأل من الأشراف والخواص ، ففصّل له زيادة في الفائدة بعد تمام المعنى المقصود بالذكر بقوله تعالى : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ) [الآية ٦٩]. وأتى في تفصيلهم بذكر الأشرف فالأشرف والأخص فالأخص ، إذ هو الغالب في تعديد الأشراف والخواص كما في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [الآية ٥٩] وقوله (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [آل عمران / ١٨] والدليل على أن المراد من الآية الإخبار جملة لا تفصيلا ، أنه لما علم عباده أن يسألوه هذا المعنى أرشدهم إلى طلبه مجملا بقوله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) [الفاتحة].
فإن قيل لم قال تعالى : (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) (٧٦) وقال في كيد النساء (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) (٢٨) [يوسف] ومعلوم أن كيد الشيطان أعظم من كيد النساء؟.
قلنا : المراد أن كيد الشيطان ضعيف في جنب نصرة الله وحفظه لأوليائه المخلصين من عباده ، كما قال الله تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) [الحجر / ٤٢] وقال حكاية عن إبليس (إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (٨٣) [ص] والمراد بالآية الأخرى أن كيد النساء عظيم إذا قيس بكيد الرجال. الثاني القائل : إن كيدكن عظيم هو عزيز مصر ، وليس الله تعالى ، فلا تناقض ولا معارضة.
فإن قيل : لم عاب على المشركين والمنافقين قولهم : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) [الآية ٧٨] وردّ عليهم ذلك بقوله (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) [نفسها] ثم قال بعد ذلك (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) [الآية ٧٩] وأخبره بعين قولهم المردود عليهم؟
قلنا : قيل إن الثاني حكاية قولهم أيضا ، وفيه إضمار تقديره : (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) (٧٨) فيقولون (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ) [الآية ٧٩].
وقيل معناه : ما أصابك أيها الإنسان من حسنة ، أي رخاء ونعمة ، فمن