ومنها ميدان الفكرة والإيمان ؛ وأنهم حاولوا تشكيك المسلمين في عقيدتهم وتوهين إيمانهم لأنهم كانوا يدركون ـ كما يدركون اليوم تماما ـ أن هذه الأمة لا تؤتى إلا من هذا المدخل ، ولا تهن إلا إذا وهنت عقيدتها ، ولا تهزم إلا إذا هزمت روحها ، ولا يبلغ أعداؤها منها شيئا وهي ممسكة بعروة الإيمان ، مرتكنة إلى ركنه ، سائرة على نهجه ، حاملة لرايته ، ممثلة لحزبه ، منتسبة إليه ، معتزة بهذا النسب وحده.
ومن هنا يبدو أن أعدى أعداء هذه الأمة هو الذي يلهيها عن عقيدتها الإيمانية ، ويحيد بها عن منهج الله وطريقه ، ويخدعها عن حقيقة أعدائها وحقيقة أهدافهم البعيدة.
إن المعركة بين الأمة المسلمة وبين أعدائها هي ، قبل كل شيء ، معركة هذه العقيدة. وحتى حين يريد أعداؤها أن يغلبوها على الأرض والمحصولات والاقتصاد والخامات والطاقة ، فإنهم يحاولون أولا أن يغلبوها على العقيدة ، لأنهم يعلمون ، بالتجارب الطويلة ، أنهم لا يبلغون مما يريدون شيئا. والأمة المسلمة مستمسكة بعقيدتها ، ملتزمة بمنهجها ، مدركة لكيد أعدائها. ومن ثمّ يبذل هؤلاء الأعداء وعملاؤهم جهد الجبارين في خداع هذه الأمة عن حقيقة المعركة ، ليفوزوا منها بعد ذلك بكل ما يريدون من استعمار واستغلال ، وهم آمنون من عزمة العقيدة في الصدور. وكلما ارتقت وسائل الكيد لهذه العقيدة والتشكيك فيها والتوهين من عراها ، استخدم أعداؤها هذه الوسائل المترقية الجديدة ، ولكن للغاية القديمة نفسها :
(وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ) [الآية ٦٩].
فهذه هي الغاية الثابتة الدفينة. لهذا كان القرآن يدفع هذا السلاح المسموم أوّلا. كان يأخذ الجماعة المسلمة بتثبيتها على الحق الذي هي عليه ، وينفي الشبهات والشكوك التي يلقيها أهل الكتاب ، ويجلو الحقيقة الكبيرة التي يتضمنها هذا الدين ، ويقنع الجماعة المسلمة بحقيقتها وقيمتها في هذه الأرض ، ودورها ودور العقيدة التي تحملها في تاريخ البشرية.
وكان يأخذها بالتحذير من كيد الكائدين ، ويكشف لها نيّاتهم المستترة ووسائلهم القذرة ، وأهدافهم الخطرة ، وأحقادهم على الإسلام والمسلمين.