قوله : وأمّا الصحّة والفساد ـ إلى قوله ـ ليستا بجعل جاعل (١).
يعني أنّ الموافقة أو المخالفة إنما هي بحكم العقل وليست قابلة للجعل.
وفيه نظر يعرف مما مر في مطاوي الأبحاث السابقة في أواخر رسالة البراءة وأوائل الاستصحاب ونشير إليه هاهنا أيضا إجمالا فنقول : إنّا لا ننكر الصحة والفساد العقليين بمعنى موافقة المأتي به للمأمور به ومخالفته له ، ولكن يتصور الصحة الشرعية في موارد لا يحكم العقل بذلك منها : ما إذا حكم الشارع بقيام غير المأمور به مقام المأمور به والاكتفاء به في مقام الامتثال بدلا عن المأمور به ، فإنّ ذلك الفعل يتّصف بالصحة شرعا لا عقلا ، مثاله أنّ الشارع اكتفى بالصلاة الناقصة بغير الأركان سهوا عن الصلاة التامة بقوله (عليهالسلام) «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة» (٢) وبحديث الرفع ، فإنّ الحكم بصحة المركب الناقص والاكتفاء به عن التامّ وعدم وجوب إعادته تاما شرعي لا محالة ، لأنّ العقل لو خلي ونفسه يحكم بالفساد لعدم الاتيان بالمأمور به ، لكن هذا إنما يتم بناء على عدم كون المركب الناقص مأمورا به حال السهو وإلّا فيرجع إلى الصحة العقلية كما لا يخفى ، وقد مرّ سابقا محتملات المسألة وتحقيقها مفصّلا والمقصود هنا الاشارة.
ومنها : الحكم بالصحة التي نستفيدها من حجية الاصول والأمارات فإنّ الصحّة هناك شرعية لا محالة ، مثاله أنّا نحكم بصحة صلاة مستصحب الطهارة من الحدث والخبث أو الصلاة في ثوب حكم بطهارته وحلية الصلاة فيه من جهة المأكولية أو التذكية بدليل اعتبار قول ذي اليد واعتبار يد المسلم أو سوق
__________________
(١) فرائد الأصول ٣ : ١٢٩.
(٢) الوسائل ٧ : ٢٣٤ / أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٤.