بوضع الواضع ، وما قيل إن الانفهام المذكور مسبب عن العلم بالوضع لا من نفس الوضع ، مدفوع بأنّ العلم بالوضع شرط في حصول الدلالة ، وذلك نظير التلازم العقلي بين شيئين فإنّ وجود اللازم دال على وجود الملزوم وكاشف عنه بنفسه ولا ينافيه توقّفه على العلم بالملازمة فإن من لم يعلم الملازمة بين النار والحرارة أو الدخان فعلمه بالحرارة أو الدخان ليس سببا لعلمه بوجود النار ، وهذا لا ينافي كونهما من العلامات في حدّ أنفسهما غاية الأمر أنّ الدلالة مشروطة بالعلم بالملازمة ، وكيف كان من تدبّر هذه الامور المذكورة حق التدبّر يجد أنّ مجعولية الأحكام الوضعية من الواضحات ، وبما سيأتي من دفع شبه الخصم يصير الأمر أوضح.
احتج المنكرون أيضا بوجوه منها : الوجدان وهو الذي أشار اليه الماتن في :
قوله : أقول لو فرض نفسه حاكما بحكم تكليفي ووضعي الخ (١).
لم يلتزم المصنف بمقالته هذه في فقهه واصوله بل يتكلم في الأغلب على ممشى من يقول بمجعولية الأحكام الوضعية ويجري على طبقه ، وسيجيء في مسألة الاستصحاب التعليقي تصريح المصنف باستصحاب الملازمة بين غليان العصير وحرمته بعد صيرورته زبيبا ، وكيف ما كان قد ظهر جواب دليله هذا مما سبق من أنه لا معنى للوجوب إلّا الحتم واللزوم على المكلف ولا نعقله سوى أنه اعتبار صحيح يرتضيه العقل والعقلاء وإلّا فلا حقيقة له غير ذلك ، ونحن نرى بعيان الوجدان إمكان اعتبار سببية المجيء لوجوب الاكرام ويرتضيه العقلاء إذا كان هذا الاعتبار صادرا عن مولى مطاع ، وأيّ فرق بينه وبين اعتبار التكليف ، فإن
__________________
(١) فرائد الاصول ٣ : ١٢٨.