وثانيا : أنّ كون كلّ من الفعل والترك أو أحدهما تعبديا إنما يقتضي الاحتياط بمقدار ما يمكن به تحصيل القربة والعبادة لا الاحتياط بالتكرار الذي هو المقصود بالإثبات هنا ، ألا ترى أنه في الشك في أصل التكليف لو دار الأمر بين وجوب شيء أو حرمته تعبدا فيهما أو في أحدهما فإنه لا يمكن إجراء الأصلين في الطرفين ويجب الاحتياط إما باختيار الفعل مع القربة أو باختيار الترك مع القربة ولا يقتضي الاحتياط ما سوى ذلك ، وهكذا يكون الأمر فيما نحن فيه ولا ربط لهذا الاحتياط بالاحتياط بالتكرار كما هو المدعى (١).
ومما ذكر في أول المسألة إلى هنا تبيّن حال ما لو دار الأمر بين كون أحد الأمرين شرطا أو الآخر مانعا ، وأنه يجب الاحتياط بإحراز الأول وترك الثاني وهو أحد العناوين التي أشرنا إليه في صدر المبحث ، وأما العنوان الأخير المشار إليه هناك وهو ما لو دار الأمر بين كون شرطية وجود أمر كالمأكولية في لباس المصلي ومانعية ضده كعدم المأكولية فيه فليس فيه أصل كلي يرجع إليه وإنما هو تابع للموارد.
قوله : والحكم فيما نحن فيه وجوب الإتيان بأحدهما وترك الآخر مخيرا (٢).
هذا أحد وجوه المسألة. ثانيها : التخيير بين الإتيان بهما معا وتركهما معا
__________________
(١) أقول : يمكن دفعه بأنه لمّا كان تحصيل القربة ممكنا في الفرض المذكور على وجه القطع بتكرار أصل المركب كان ذلك واجبا بمقتضى العلم الإجمالي ، ولا يكتفى بأحد الاحتمالين من الفعل والترك بقصد القربة ، لأنّه موافقة احتمالية ومخالفة احتمالية ، والواجب هو الموافقة القطعية الممكنة ، ولا يقاس ذلك بدوران الأمر بين المحذورين في الشبهة في أصل التكليف لعدم التمكّن فيها إلّا على الموافقة الاحتمالية حتى بالنسبة إلى القربة أيضا.
(٢) فرائد الأصول ٢ : ٤٠٣.