تنزيل المؤدّى منزلة الواقع توقّف كلّ دلالة التزاميّة على المطابقة ، وهذا هو الدور الواضح.
وجوابه : أنّه لا شكّ في صحّة إثبات الموضوع المركّب بالتعبّدين ، كما إذا قال المولى مثلا : إذا كان المائع حلالا طاهرا يجوز بيعه ، بدلالة قاعدة الحلّية على أحد الجزءين وقاعدة الطهارة على الجزء الآخر ، مع بداهة تقدّم صدور إحدى القاعدتين على الاخرى لا محالة. والحال أنّ لازم كلامه قدسسره لزوم الدور هنا أيضا ؛ لتوقّف جريان قاعدة الطهارة بحيث يثبت بها الموضوع على جريان قاعدة الحلّية وبالعكس ؛ لدلالة كلّ منهما على جزء واحد ، فلا بدّ من إثبات كلا الجزءين بالتعبّد الواحد.
ومن هنا نستكشف بطلان كلامه قدسسره بأنّ لغويّة كلام الحكيم كما تندفع بترتّب الأثر الفعلي على التعبّد والتنزيل ، كذلك تندفع بترتّب الأثر التعليقي ، بحيث لو انضمّ إليه جزؤه الآخر كان ذا أثر فعلي ، فصحّة المدلول المطابقي ـ أي تنزيل المؤدّى منزلة الواقع ـ لا يتوقّف على المدلول الالتزامي حتّى يستلزم الدور.
مع أنّه يترتّب على التعبّد الأوّل أثر بيّن وهو قيام الأمارة مقام القطع الطريقي المحض، ونحن هنا بصدد ترتّب الأثر الثاني ، أي قيامها مقام القطع الموضوعي الطريقي ، وقد عرفت من ذلك بطلان ما ذكره المحقّق الأصفهاني قدسسره ؛ إذ لا اقتضاء للغويّة بعد ما كان أثر تنزيل المؤدّى منزلة الواقع قيام الأمارة مقام القطع الطريقي المحض قبل قيامها مقام القطع الموضوعي ، فلا محذور في مقام الثبوت من قيام الأمارات والاصول العمليّة مقام القطع الطريقي والموضوعي بأقسامه بنفس دليل اعتبارها.