جريان البراءة الشرعيّة في دوران الأمر بين المحذورين
عرفت أنّ لسان أدلّة البراءة الشرعيّة مختلف ، فقد يكون بلسان الرفع ، وقد يكون بلسان الإثبات مثل : قوله عليهالسلام : «كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال» (١) ، ويعبّر عن البراءة المستفادة منه بأصالة الإباحة ، أمّا على الأوّل فالظاهر ـ بعد ملاحظة ما ذكرنا في وجه جريان البراءة العقليّة ـ جريانها أيضا ؛ لأنّ التكليف بنوعه مجهول ، فيشمله مثل حديث الرفع.
ولكنّ المحقّق النائيني رحمهالله نفى جريانها ؛ نظرا إلى أنّ مدركها قوله صلىاللهعليهوآله : «رفع ما لا يعلمون» (٢) ، والرفع فرع إمكان الوضع ، وفي المقام لا يمكن وضع الوجوب والحرمة كليهما ، لا على سبيل التعيين ولا على سبيل التخيير ، ومع عدم إمكان الوضع لا يعقل الرفع ، فأدلّة البراءة الشرعيّة لا تعمّ المقام أيضا (٣).
جوابه : أنّ في دوران الأمر بين المحذورين يتمسّك بحديث الرفع مرّتين ، مرّة لرفع الوجوب المجهول ، واخرى لرفع الحرمة المجهولة ، ومن الواضح أنّ وضع الوجوب بنفسه ممكن ، كما أنّ وضع الحرمة لا استحالة فيه. نعم ، ما لا يمكن وضعه هو مجموع الوجوب والحرمة ، وهو لا يكون مفاد حديث الرفع ، فما
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٨٧ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١.
(٢) وسائل الشيعة ٥ : ٣٦٩ ، أبواب جهاد النفس ، الحديث ١.
(٣) فوائد الاصول ٣ : ٤٤٨.