وفي جريان البراءة فيها مطلقا وعدم جريانها كذلك ، والتفصيل بين ما لو كانت الأسباب عاديّة أو عقليّة وبين ما لو كانت شرعيّة ، أو بين ما لو قيل بكون العلم الإجمالي مقتضيا فتجري ، أو علّة تامّة فلا تجري ، أو بين أن يكون العنوان البسيط الذي هو المأمور به ذا مراتب متفاوتة متدرّج الحصول والتحقّق ، وبين ما إذا كان دفعي الحصول والتحقّق عند تحقّق الجزء الأخير من علّته ، بالجريان في الصورة الاولى وعدمه في الصورة الثانية ، وجوه ، بل أقوال خمسة.
والمحقّق العراقي قائل بالتفصيل بين ما لو كان المسبّب عنوانا بسيطا ذا مراتب متفاوتة ومتدرّج الحصول ، وبين ما إذا كان دفعي الحصول ، بجريان البراءة في الأوّل بخلاف الثاني (١) ، ولكنّه خارج عن محلّ البحث ، فإنّه لو كان العنوان البسيط ذا مراتب متدرّج الوجود وتعلّق الأمر المشكوك بمرتبة ضعيفة أو متوسّطة أو كاملة فهو خارج عن محلّ البحث ، فإنّ البحث فيما كان المأمور به معلوما ومحصّل المأمور به وسببه مشكوكا وإن كان المأمور به ومتعلّق الأمر معلوما ، كما إذا علمنا بتعلّق الأمر بمرتبة متوسطة منه ـ مثلا ـ فلا فرق بينه وبين دفعي الحصول ؛ إذ المرتبة الضعيفة دفعيّة الحصول ، وهكذا المرتبة المتوسطة والكاملة.
إذا ظهر لك ذلك فاعلم : أنّ الأقوى وجوب الاحتياط مطلقا ؛ لأنّه بعد تنجّز التكليف وعدم كون المكلّف معذورا في مخالفته من جهة العلم به وبمتعلّقه ـ أي قطعيّة تعلّق الأمر ومعلوميّة المتعلّق ـ يحكم العقل حكما بتّيا بلزوم العلم بالفراغ عن عهدته بالإتيان بكلّ ما يحتمل دخله في سببيّة السبب
__________________
(١) نهاية الأفكار ٣ : ٤٠١.