مرتبتان :
الاولى : مرتبة الجعل والإنشاء بداعي البعث والتحريك بنحو القضيّة الحقيقيّة ، كقوله سبحانه : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(١) ، ففي هذه الرتبة تنشأ الأحكام على موضوعاتها المقدّر وجودها بجميع ما اعتبر فيها من القيود والشرائط وعدم الموانع على نهج القضايا الحقيقيّة.
الثانية : مرتبة الفعليّة والخروج عن التعليق والتقدير بتحقّق موضوعه خارجا ، كما إذا صار المكلّف مستطيعا مثلا.
وفيه : أوّلا : أنّه كلام بلا شاهد ، ومن البعيد أن يكون الحكم الواحد بالنسبة إلى شخص إنشائيّا ، وبالنسبة إلى شخص آخر فعليّا ، مع مخالفته لما هو متداول بين العقلاء في كيفيّة التقنين كما ذكرناه ، ولازم هذا الكلام عدم كون مثل (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) حكما إنشائيّا ، ولا حكما فعليّا ؛ إذ الحكم في باب المطلق يتعلّق بالطبيعة ، ولا نظارة لها إلى الأفراد والمصاديق حتّى تكون محقّقة الوجود أو مقدّرة الوجود ، بل يستحيل حكايتها عن الأفراد كما مرّ ذكره مرارا.
وثانيا : أنّ لازم هذا الكلام إرجاع القوانين المجعولة في ضمن الجمل الإنشائيّة ، مثل : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) إلى الجمل الخبريّة لتصحيح القضيّة الحقيقيّة ، كقولنا : «المكلّف يجب عليه إقامة الصلاة» بأنّ الحكم يكون بالنسبة إلى «زيد» قبل البلوغ إنشائيّا ، وبعد بلوغه يصير فعليّا ، وبناء على هذا البيان لا بدّ من الالتزام بهذا التوجيه في مثل : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) ، بخلاف ما ذكرناه من التفسير للحكم الإنشائي والفعلي.
__________________
(١) آل عمران : ٩٧.